و كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى يصلي
كل يوم ألف ركعة حتى أقعد من رجليه فصار يصلي خمسمائة ركعة قائما و مثلها جالسا، و
كان علي بن الفضيل رحمه اللّه تعالى لا يستطيع أن يقرأ سورة القارعة و لا يسمعها
من غيره، قال فهجم عليه شخص مرة فقرأ بها في صلاة المغرب فغشى عليه ثلاث أيام
بلياليها لا يفيق.
و قد كان الحرث بن سعيد رحمه اللّه تعالى يقول: مررنا يوم براهب
فرأينا شدة اجتهاده و ما يصنع بنفسه فلمناه على ذلك، فقال: و ما هذا الأمر بالنسبة
لما نلاقيه يوم القيامة مما نحن عنه غافلون، فقال له بعضنا نريد أن نسألك عن أمر
فهل أنت مخبرنا عنه، فقال: سلوا و لا تكثروا فإن الوقت لن يعود و العمر لن يرجع و
الطالب حثيث، فعجبنا من كلامه ثم قلنا له: ماذا حكم الخلق غدا عند ربهم، فقال:
يكونون على قدر نياتهم، فقلنا له: أوصنا، فقال: تزودوا على قدر سفركم ثم أدخل رأسه
في صومعته و تركنا.
و كان عبد الواحد بن زيد رحمه اللّه تعالى يقول: مررت يوما براهب من
رهبان الصين فقلت له: يا راهب فلم يجبني، فقلت له: لم لا تجبني، فقال: خفت أن أقول
نعم فأكذب لأن الراهب هو من رهب من اللّه في سمائه و عظمه في كبريائه و صبر على
بلائه و رضى بقضائه و حمده على نعمائه و تواضع لعظمته و ذل لعزته و استسلم لقدرته
و خضع لمهابته و تفكر في حسابه و عقابه و ظل نهاره صائما و ليله قائما، و قد أسهره
ذكر النار و مساءلة الجبار فهذا هو الراهب، و أما أنا فكلب عقور حبست نفسي في هذه
الصومعة لئلا أعقر الناس، قال: فتعجبت من كلامه ثم قلت له أخبرني ما الذي قطع
الناس عن ربهم بعد أن عرفوه، فقال: قطعهم عنه حب الدنيا لأنها محل المعاصي،
فالعاقل من رمى بها عن قلبه و تاب إلى اللّه من ذنبه و أقبل على ما يقربه من حضرة
ربه اه.
قال: و قيل لداود الطائي يوما ألا تسرح لحيتك فأنها قد تبلدت، فقال:
إني إذا لفارغ، و كان أويس القرني رحمه اللّه تعالى يحيي الليل كله بسجدة واحدة، و
لما تاب عتبة الغلام رحمه اللّه تعالى كان لا يتفرغ لأكل و لا شرب، فقالت له أمه:
لو رفقت بنفسك يا ولدي، فقال: دعيني يا أماه أتعب في عمر قصير ليوم طويل.
لأولما حج مسروق رحمه اللّه تعالى كان لم ينم قط في الطريق إلا ساجدا
على وجهه، و كان عبد اللّه بن هلال رحمه اللّه تعالى يقول: أرجو من اللّه تعالى أن
لا يشهد علي ليل بنوم و لا نهار بفطر، و كان عبد اللّه بن داود رحمه اللّه تعالى
يقول: لقد أدركنا الناس و أحدهم