اللّه تعالى يقول: شهوات النفس نيرانها و
حطبها لذتها و الجوع ماؤها التي تطفأ به، و قد كان يحيى بن زكريا عليهما الصلاة و
السلام من أطيب الناس طعاما كان يأكل الجراد و قلوب النخل.
و كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يجوع نفسه و يميتها
و يقول لها الأكل أمامك، و كان بشر بن السري رحمه اللّه تعالى يقول: لأن أترك ذرة
من غداي أو عشاي أحب إلي من عبادة العابدين و صلاة المصلين و حج الحاجين و صوم
الصائمين و جهاد المجاهدين، و كان يحيى بن معاذ رحمه اللّه تعالى يقول: مذهب جميع
الصالحين الجوع فمن فر منه فهو من الفاسقين، و قد أدركنا العلماء و هم ربيع فصاروا
الآن مزابل الدنيا و إذا رأيتم الزاهد يرخص بأكل الشهوات فاعلموا أنه قد رجع عن
الزهد لأن التبسط في الدنيا معدود من فسق العارفين، و و اللّه ما بقى أحد من زهاد
هذا الزمان تقر العين برؤيته.
و قد أدركنا أقواما كانوا يحرصون على ترك الدنيا أكثر مما يحرص هؤلاء
على تحصيلها و اعلموا أن من كان شبعه بالطعام لم يزل جائعا، و من كان استناده إلى
الخلق دون اللّه تعالى لم يزل مخذولا، و قد كان يزيد الرقاشي رحمه اللّه تعالى لا
يشرب الماء البارد أبدا و يقول: أخاف أن أحرم شربه غدا إن شربته اليوم- يعني في
الآخرة-.
و كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى يقول: الناس يقولون أن من ترك
اللحم أربعين يوما قل عقله، و إني قد تركته سنين و ما نقص من عقلي شيء و للّه
الحمد، و كان رحمه اللّه تعالى لا يأكل من رطب البصرة شيئا و إذا مضى زمنه يقول:
يا أهل البصرة هذا بطني ما نقص ترك أكل الرطب منه شيئا و لا زاد في بطونكم شيئا.
و كان يحيى بن معاذ رحمه اللّه تعالى يقول: صاحب الشهوات معذب في
الدنيا و الآخرة، في الدنيا في تحصيلها و في الآخرة في الحساب عليها، و اعلموا أن
من كثر أكله كثر لحم بطنه و من كثر لحم بطنه كثرت شهواته و من كثرت شهواته كثر
ذنوبه و من كثرت ذنوبه قسا قلبه و من قسا قلبه غرق في الذنوب و الآفات و من غرق في
الذنوب و الآفات دخل النار، و قد اشتهى مالك بن دينار رحمه اللّه في مرض موته خبزا
أبيض و لبنا فلما أتوه به نظر إليه و قال: دافعت عن نفسي الشهوات طول عمري
أفأوافقها في آخره ثم قال: اذهبوا به إلى يتيم بني فلان و لم يأكله.
و قد مكث معروف الكرخي رحمه اللّه تعالى ثلاثين سنة يشتهي أن يغمس
جزرة في