أحدكم أملى إلى أخيه كلاما فيه قبح لكان ذلك
قلة حياء معه فكيف بالرب سبحانه و تعالى.
و كان الربيع بن خيثم رحمه اللّه تعالى إذا أصبح وضع قرطاسا و قلما
فكان لا يتكلم يومه بلغو إلا حاسب نفسه عليه عند غروب الشمس، و كان يقول بلغنا أن
أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه كان يضع حجر في فمه فعل ذلك عدة سنين حتى تعود قلة
الكلام، و كان لا يخرج الحجر إلا عند الأكل و عند الصلاة كل ذلك خشية أن يتكلم
فيما لا يعنيه، ثم لما حضرته الوفاة رضي اللّه عنه صار يخرج لسانه و يقول هذا هو
الذي أوردني الموارد.
و قد كان الإمام مالك إذا رأى رجلا يتكلم كثيرا يقول له أمسك عليك
بعض كلامك، و كان يونس بن عبيد رحمه اللّه تعالى يقول: ترك كلمة لغو أشد على النفس
من صيام يوم، لأن الرجل ربما يحتمل الصوم في الحر الشديد و لا يحتمل ترك كلمة لا
تعنيه اه.
فاعلم ذلك يا أخي و فتش نفسك هل وفيت بهذا الحديث أم قصرت فيه و أكثر
من الاستغفار آناء الليل و النهار، و الحمد للّه رب العالمين.
سد باب الغيبة
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم): سد
باب الغيبة في الناس في مجالسهم لئلا يصير مجلسهم مجلس إثم، و لعل ما قرءوه من
الحديث أو من كلام القوم أو الورد مثلا لا يقاوم غيبة وقعوا فيها يوم القيامة، و
قد كان أخي الشيخ أفضل الدين رحمه اللّه تعالى يقول: إنما أكثر الأعمال الصالحة في
بعض الأوقات ليصير معي شيء من الأعمال يوم القيامة أعطي منه خصمائي الذين لهم علي
تبعة من مال أو عرض.
و قد قلت مرة لشيخنا سيدي علي الخواص رحمه اللّه تعالى ألا تأخذ
العهد يا سيدي على أصحابك أن لا أحد منهم يستغيب أحدا في مجلسك، فقال لي: إن أخذ
العهد بذلك سوء أدب مع اللّه تعالى و مع خلقه و ذلك لأن خلق الأعمال و الأقوال
التي تحدث على يد المريد إنما هي للّه عز و جل فكيف آخذ على أحد عهدا بشيء ليس في
يده بل خلقه اللّه تعالى فيه على رغم أنفه، فقلت له يا سيدي إن رسول اللّه صلى اللّه
عليه و سلم بايع أصحابه رضي اللّه عنهم على السمع و الطاعة و على ترك أفعال كانوا
يفعلونها، فقال: إنما كان ذلك له صلى اللّه عليه و سلم بوحي من اللّه سبحانه و
تعالى بخلافنا نحن اه.