(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
شدة الجوع و عدم الشبع و ذلك ليكثر صمتهم و يقل كلامهم و فضول لغوهم كما هو شأن
العلماء العاملين، فإن من شبع كثر كلامه فيما لا يعنيه ضرورة، و كان محمد الراهبي
رحمه اللّه تعالى يقول: من أدخل في بطنه فضول الطعام أخرج من لسانه فضول الكلام، و
كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: رمي الناس بالسهام أخف من رميهم باللسان
لأنه لا يخطئ، و كان إمامنا الشافعي رضي اللّه عنه يقول: الكلمة كالسهم إن خرجت
منك ملكتك و لم تملكها.
و كان جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما يقول: [قلت للنبي صلى اللّه
عليه و سلم يا رسول اللّه ما أكثر ما تخالف عليّ، فقال: «هذا» و أشار إلى لسانه
صلى اللّه عليه و سلم]، و كان إبراهيم النخعي رحمه اللّه تعالى يقول: من تأمل وجد
أشرف أهل كل مجلس و أكثرهم هيبة من كان أكثرهم سكوتا، لأن السكوت زين للعالم و ستر
للجاهل، و كان وهيب بن الورد رحمه اللّه يقول: العافية عشرة أجزاء تسعة منها في
الصمت و واحد في الهرب من الناس، قال: و مكث منصور بن المعتمر أربعين سنة لا يتكلم
بعد العشاء بلغو، و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: و اعجبا لابن آدم
ملكاه على نابيه و لسانه قلمهما و ريقه مدادهما و هو يتكلم فيما بين ذلك فيما لا
يعنيه.
و قد مكث الربيع بن خيثم رحمه اللّه تعالى قبل موته بعشرين سنة لا
يتكلم بكلام أهل الدنيا، و قد وقع لحسان بن سنان رحمه اللّه تعالى أنه تكلم بكلمة
لغو فعاقب نفسه بصوم سنة، و كان حماد بن سلمة رحمه اللّه تعالى إذا تكلم بكلمة لغو
يقول عقبها سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر، ثم يقول:
كانوا يكرهون كلام الدنيا في مجلس من غير أن يخالطه كلام خير، و قد مكث مورق
العجلى رحمه اللّه عشرين سنة يتعلم الصمت حتى تم له.
و قد كان معروف الكرخي رحمه اللّه تعالى يقول: كلام الرجل فيما لا
يعنيه من خذلان اللّه إياه، و كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى يقول: كلام
الرجل فيما لا يعنيه يقسي القلب و يوهن البدن و يعسر أسباب الرزق، و كان الفضيل بن
عياض رحمه اللّه تعالى يقول: باللسان يحفظ الرأس، و كان بشر الحافي رحمه اللّه
تعالى قليل الكلام جدا و كان يقول لأصحابه انظروا ما تملونه في صحائفكم فإن يقرأ
على ربكم فيا ويح من تكلم بقبيح، و لو أن