مرة متى يبلغ العبد سنام التقوى، فقال: إذا
وضع جميع ما في قلبه من الخواطر في طبق و طاف به في السوق لم يستح من شيء فيه، و
كان وهب بن منبه رحمه اللّه تعالى يقول:
الإيمان عريان و لباسه التقوى، و كان أمير المؤمنين علي رضي اللّه
عنه يقول: لا يقل عمل مع تقوى لأنه مقبول، قال تعالى:
[إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ][1].
و كان عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى يقول: ليس التقوى في صيام
النهار و قيام الليل مع التخليط فيما بين ذلك، و إنما التقوى ترك ما حرم اللّه
تعالى و أداء ما افترض اللّه فمن زاد بعد ذلك فهو خير إلى خير، و كان رحمه اللّه
تعالى كثيرا ما يقول علامة المتقي أن يلجم عن الكلام كما يلجم المحرم حال إحرامه،
و يحتاج المتقي أن يكون عالما بالشريعة كلها و إلا خرج عن التقوى من حيث لا يشعر،
و كان أبو الدرداء رضي اللّه تعالى عنه يقول: من كمال التقوى أن يخاف العبد من ربه
في مثقال ذرة.
و قد سئل أبو هريرة رضي اللّه عنه عن التقوى فقال: هي طريق الشوك
يحتاج الماشي فيها إلى صبر شديد، و كان سفيان الثوري رضي اللّه عنه يقول: أدركنا
الناس و هم يحبون من قال لأحدهم اتق اللّه تعالى، و قد صاروا اليوم يتكدرون من ذلك
و قد قال رجل لعمر بن عبد العزيز اتق اللّه يا عمر فخر مغشيا عليه من هيبة اللّه
تعالى، و قال رجل للفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى أي البلاد تحب لي أن أقيم فيه
فقال له: ليس بينك و بين بلد نسب بل خير البلاد ما حملك على التقوى، و كان سفيان
الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: لو اتقى أحد منا ربه ما هنأه عيش و لا أخذه نوم اه.
ففتش يا أخي في نفسك هل اتقيت اللّه تعالى كتقوى هؤلاء السلف أم قصرت
عنهم و استغفر ربك، و الحمد للّه رب العالمين.
ستر الإخوان
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة سترهم لإخوانهم المسلمين و شدة مناقبشتهم لنفوسهم في مقام التورع، فكانوا لا
يحبون أن تظهر لأحد عورة و كانوا يحاسبون أنفسهم في أقوالهم و أفعالهم و طعامهم و
شرابهم و تفقد جميع جوارحهم في وقوعها فيما حرم اللّه عليها لا سيما اللسان و
البطن و الفرج و العين، و قد بسطنا هذا الخلق في كتابنا المنهج