المبين، و في الحديث [انته عما نهاك اللّه
عنه تكن أورع الناس] و كان ابن عباس رضي اللّه عنهما يقول: لو صمتم حتى تكونوا
كالأوتار و صليتم حتى تكونوا كالحنايا ما نفعكم ذلك إلا إذا كان معكم ورع صادق، و
كان أبو هريرة رضي اللّه عنه يقول: جلساء اللّه تعالى يوم القيامة هم أهل الورع و
الزهد، و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: لا خير في فقه لا ورع فيه كما
لا خير في صلاة لا خشوع فيها و لا مال لا جود فيه، و كان يونس بن عبيد رحمه اللّه
تعالى يقول: حقيقة الورع هو الخروج عن الشبه و محاسبة النفس مع كل خطرة فمن لم يكن
كذلك فليس هو بورع.
و كان أبو عبد اللّه الأنطاكي رحمه اللّه تعالى يقول: لا تستهن
بالتورع في اليسير فإن الاستهانة فيه سلم لترك الورع في الكثير، و كان ابن السماك
رحمه اللّه تعالى يقول: من طلب العلم بلا عمل كان قدوته إبليس، و من طلب الرياسة
كان قدوته فرعون، و من طلب الورع كان قدوته الأنبياء و الأصفياء عليهم الصلاة و
السلام، و كان الضحاك رحمه اللّه تعالى يقول: لقد أدركنا الناس و هم يتعلمون الورع
و يسافرون لتعلمه الثلاثة أشهر و أكثر و قد صاروا اليوم لا يطلبون ذلك و لا يعملون
به و لو نبهوا عليه فلا حول و لا قوة إلا باللّه، و قد كان محمد بن سيرين رحمه
اللّه تعالى إذا رأى بعض شبهة في شيء تركه كله و لو كان جميع بيت المال.
و كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول: كنا ندع تسعة
أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام، و كان السلف إذا وقع من أحدهم دينار في مكان
ثم تذكره رجع فرآه لا يأخذه و يقول: يحتمل أن هذا وقع من غيري و أن ديناري أخذه
أحد، و قد سئل محمد بن سيرين رحمه اللّه تعالى عمن يسد أنفه عند قسم المسك في
الغنيمة هل به بأس فقال: لا أقول فيه شيئا، و قد سئل عن ذلك أيضا القاسم بن محمد
فقال: هو كالتورع و لا أقول هو ورع أدبا في اللفظ.
و قد قيل لرباح بن قيس رحمه اللّه تعالى حدثنا بما رأيت من ورع عمر
بن عبد العزيز، فقال: دعانا رحمه اللّه تعالى ليلة إلى طعامه فبينما نحن نأكل إذ
قال لنا أمسكوا فإن زيت هذا الصباح من زيت العامة الذي أنظر فيه ديوانهم، و كان
طلحة بن مصرف رحمه اللّه تعالى إذا بنى جدار أو خصا يجعل الجدار مائلا إلى ناحيته
ليكون الطين الذي يطين به البناء من غير جهة الطريق، و كان يونس بن عبيد رحمه
اللّه تعالى يتورع أن يقول سبحان اللّه تعالى عند التعجب من شيء إجلالا لربه.