و كان جعفر بن سليمان رحمه اللّه تعالى يقول
في قوله عز و جل [وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً
وَ باطِنَةً][1]
إن الظاهرة الإسلام و ما حسن من خلقك و رزقك، و الباطنة ما ستر اللّه تعالى عن
الناس من عيوبك و ذنوبك ذكره ابن عباس رضي اللّه عنهما.
و كان عون بن عبد اللّه رحمه اللّه تعالى يقول: إن اللّه تعالى أنعم
على العباد على حسب كرمه و طلب منهم الشكر على قدر حالهم، و كان الحسن البصري رحمه
اللّه تعالى يقول في قوله تعالى: [إِنَّ الْإِنْسانَ
لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ][2] قال يعني يعد المصائب و ينسى النعم، و كان عون بن عبد اللّه رحمه
اللّه تعالى يقول في قوله تعالى: [يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ
اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها][3] يعني يرون النعم أنها من اللّه عز و جل ثم يضيفونها إلى الخلق
غافلين عن اللّه تعالى و يقولون لو لا فلان ما وصلت إلينا اه.
و كان بشر الحافي رضي اللّه عنه يقول: من شكر اللّه بلسانه دون بقية
أعضائه فقل شكره لأن شكر البصر إن رأى خيرا و عاه أو شرا ستره، و شكر السمع إن سمع
خيرا حفظه أو شرا نسيه، و شكر اليدين أن لا يأخذ بهما و لا يعطي إلا حقا و شكر
البطن أن يكون ملآنا من العلم و الحلم و شكر الفرج أن لا يفعل به إلا ما أبيح له و
شكر الرجلين أن لا يمشي بهما إلا في الصلاح، فمن فعل ذلك فهو من الشاكرين حقا ا ه،
ففتش نفسك يا أخي و انظر هل شكرت ربك كما شكر هؤلاء أم قصرت فاستغفر اللّه، و
الحمد للّه رب العالمين.
التقوى
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
شدة تدقيقهم في التقوى و عدم دعوى أحد منهم أنه متق فإن الحق تبارك و تعالى ربما
أحصى على العبد مثاقيل الذر و هذا خلق غريب في هذا الزمان، بل غالب الناس يدعي
التقوى من غير مناقشة لنفسه و يقنع بذكره اللّه تعالى صباحا و مساء مثلا و لا
يناقش نفسه في قول و لا فعل و لا مطعم و لا مشرب و لا ملبس بل هو كالتمساح الهائم
على الحرام، فصورة عمامته و عذبته صورة شيخ و أقواله و أفعاله على صورة الفسقة و
المنافقين، و كان عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى يقول: لا يبلغ أحد مقام
التقوى حتى لا يكون له فعل و لا قول يفتضح به في الدنيا و الآخرة، و قد قال له
رجل