(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
شهودهم في نفوسهم أنهم لم يقوموا بذرة واحدة من شكر ربهم، و ذلك لأنهم يرون أن
جميع ما يشكرونه من جملة نعمه عليهم فلا تنفذ نعم اللّه تعالى أبدا و لا يصح من
أحد مقابلتها، و كان بكر بن عبد اللّه المزني رحمه اللّه تعالى يقول: ما قال عبد
الحمد للّه إلا وجب عليه بذلك شكر آخر، و كان وهب بن منبه رحمه اللّه تعالى يقول:
إذا كان الذي تشكر اللّه تعالى به نعمة منه عليك من نعمه عز و جل فما ثم شكر
حقيقة، و إنما الشكر اعترافك بكثرة نعمه عليك و أنك لا تحصي ثناء عليه عز و جل.
و كان سهل بن عبد اللّه التستري رحمه اللّه تعالى يقول: أداء الشكر
للّه تعالى أنك لا تعصيه بنعمه عليك فإن جوارحك كلها من نعمه عليك فلا تعصه بشيء
منها، و قد كان مجاهد و مكحول رحمهما اللّه تعالى يقولان في قوله تعالى: [لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ][1] إنه الشراب البارد و ظل المساكن و شبع البطن و اعتدال الخلق و لذة
المنام، و قد سئل الحسن البصري عن الفالوذج أهو من أكبر النعم؟ فقال: نعمة اللّه
سبحانه و تعالى علينا في الماء البارد العذب أعظم منه.
و قد مر وهب بن منبه رحمه اللّه تعالى يوما على رجل أصم أبكم مصاب
فقال له شخص هل بقى على هذا نعمة، فقال وهب: نعم إساغة ما يأكل و ما يشرب و تسهيله
و نحو ذلك، يعني إذا خرج فذلك أعظم من النعم الظاهرة التي فاتته، و كان الشعبي
رحمه اللّه تعالى يقول: لو قاس الناس البلاء بما فوقه لوجدوا بعض البلايا عافية، و
قد كان عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما إذا قدم إليه طعام يقول الحمد للّه الذي
جعلني أشتهيه فكم من يقدر عليه و لا يشتهيه يعني من شدة المرض و الوجع، و كان
سفيان الثوري إذا مر عليه أحد من أهل الشرطة يخر ساجدا للّه تعالى و يقول: الحمد
للّه الذي لم يجعلني شرطيا و لا مكاسا ثم يقول لأصحابه إنه يمر على أحدكم المبتلى
الذي يؤجر على بلائه فتسألون ربكم العافية و يمر عليكم هؤلاء الظلمة الذين يأثمون
ببلائهم فلا تسألون اللّه العافية، و كان زيد بن أسلم رحمه اللّه تعالى يقول:
مكتوب في التوراة العافية هي الملك الخفي، و كان عبد اللّه بن عباس رضي اللّه
عنهما يقول: من كان له زوجة و مسكن و مركب و خادم فهو من الملوك،