و لما سقطت مقادم أسنان معاوية رضي اللّه
عنه قال: الحمد للّه الذي لم يذهب سمعي و لا بصري، و قد روى عن يونس عليه الصلاة و
السلام أنه قال يوما لجبريل عليه الصلاة و السلام دلني على أعبد أهل الأرض فدله
على رجل قد قطع الجذام يديه و رجليه و ذهب ببصره و سمعه و شعره، قال: فدنا يونس
منه فسمعه يقول إلهي قد متعتني بقوتي كما تشاء ثم سلبتني قوتي كما تشاء و أبقيت لي
فيك الأمل بالخير فلك الفضل عليّ، و كان بشر بن الحرث رحمه اللّه تعالى يقول:
اجتمعت في ساحتي برجل مجذوم أبرص أعمى و قد صرع في الشمس، و القمل يأكل لحمه قال: فرفعت
رأسه من الأرض و وضعتها في حجري فلما أفاق قال من هذا الفضولي الذي يدخل بيني و
بين ربي عز و جل، فوعزته و جلاله لو قطعني أربا أربا ما ازددت فيه إلا حبا.
و قد روى أن عيسى عليه الصلاة و السلام مر يوما برجل أعمى أبرص مقعد
مضروب الجنبين بالجذام و الفالج، و قد تناثر لحمه من الجذام فدنا منه عيسى فسمعه
يقول الحمد للّه الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من خلقه، فقال له عيسى: و أي شيء
صرفه عنك من البلاء يا هذا؟ فقال له: صرف عني الجهل به و خلع عليّ معرفته، فقال له
عيسى: صدقت هات يدك فناوله يده فذهب ما كان به و صار من أحسن الناس وجها و صحبة
يعبد اللّه تعالى معه إلى أن رفع عيسى صلى اللّه عليه و سلم، و كان أبو سليمان
الداراني رحمه اللّه تعالى يقول: الرضا من اللّه تعالى و الرحمة للخلق من أخلاق
المرسلين، و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: الرضا عن اللّه تعالى أفضل
من الزهد في الدنيا لا إن الراضي عن ربه عز و جل لا يتمنى فوق منزلته.
و كان الداراني رحمه اللّه تعالى يقول: لو أن اللّه تعالى أدخلني
النار لكنت راضيا عنه، و كان سليمان الخواص رحمه اللّه تعالى يقول: من قال يا رب
ارض عني فليس هو براض عن ربه، و كان أبو عبد اللّه الباجي رحمه اللّه تعالى يقول:
عبيد الدنيا يريدون من ساداتهم أن يرضوا عنهم و عبيد اللّه تعالى يريد منهم أن
يرضوا عنه، و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: رضا الناس غاية لا تدرك ا
ه، فانظر يا أخي في هذا الخلق الذي ذكرناه و اشكر ربك إن رأيت نفسك من أهل الصبر و
إلا فاستغفره و تب إليه، و الحمد للّه رب العالمين.