للرب جل جلاله، و كان وهب بن منبه رحمه
اللّه يقول: من حزن على ما في يد غيره- يعني حسد أخاه على رزقه- فقد سخط على قضاء
ربه.
و قد أوحى اللّه تعالى إلى داود عليه الصلاة و السلام يا داود إن
أسلمت لي ما أريد كفيتك ما تريد و إن لم تسلم لي ما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا
يكون إلا ما أريد، و قد قيل لعمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى ما الذي تريد؟
فقال: أريد ما يريد الحق تعالى و إن كانت نفسي تكره المعاصي، و كان ميمون بن مهران
رحمه اللّه يقول: من لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء، و كان عبد العزيز بن روادر
رحمه اللّه تعالى يقول: ليس الشأن في لبس العباءة و أكل الخل و الشعير، و لكن
الشأن في رضا العبد عن ربه، و قد كان عبد اللّه بن سلام رضي اللّه عنه يقول: شكا
نبي من الأنبياء عليهم الصلاة و السلام ما ناله من المكروه إلى ربه عز و جل، فأوحى
اللّه إليه إلى كم تشكوني و لست بأهل ذم و لا شكوى هكذا كان بدء شأنك في عالم
الغيب فلم تسخط على حسن قضائي عليك أفتريد أن أغير الدنيا من أجلك و أبدل اللوح
المحفوظ بسببك و أقضي لك بما تريد دون ما أريد و يكون ما تحب دون ما أحب أنا،
فبعزتي حلفت لئن تلجلج هذا في صدرك مرة أخرى لأسلبنك ثوب النبوة و لأوردنك النار و
لا أبالي.
(قلت) قد أجمع العلماء على أن المعصوم لا يصح سلبه فالظاهر أن ما ورد
هنا على سبيل الفرض و التقدير و ما كل ما يوعد اللّه به عباده واقع فليتأمل و
اللّه تعالى أعلم، و كان محمد بن شقيق رحمه اللّه تعالى يقول: اشتريت مرة لأمي
بطيخة فلم تعجبها فسخطت، فقلت لها يا أماه على من تسخطين على بائعها أم على
مشتريها أم على خالقها، فو اللّه إن خالقها لأحسن الخالقين، و إن البائع و المشتري
ما أعطياك إلا ما قسم لك في الأزل، قال:
فاستغفرت أمي من ذلك و تابت، و كان عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه
يقول: لأن ألحس جمرة بلساني أحب إليّ من أن أقول لشيء وقع لم وقع هذا.
و كان محمد بن واسع رحمه اللّه يقول: ما ثم فعل اللّه تعالى إلا و
يجب على العبد شكر ربه عليه من حيث أنه حكيم عليم، و أما من حيث كسب العبد فيجب
عليه عدم الرضا به إن كان مذموما تعظيما لجنابه عز و جل، و قد طلعت مرة في رجل
محمد بن واسع قرحة شديدة فقال له رجل من أصحابه: و اللّه إني لأرحمك من أجل هذه،
فقال له محمد: إن كنت تحبني يا أخي فاشكر اللّه تعالى معي الذي لم يطلعها في لساني
أو في عيني أو في أذني أو في ثديي أو تحت إبطي أو في فرجي.