تشكوني إلى خلق، و عاملني كما أعاملك فكما
لا أشكوك إلى ملائكتي إذا صعد إليّ عملك القبيح كذلك لا ينبغي أن تشكوني إلى خلقي
إذا نزل بك بلاء، و قد بلغني أنه لما أهلك اللّه تعالى جميع مال أيوب عليه الصلاة
و السلام دخل بيته و نزع ثيابه و قال: هكذا خرجت إلى الدنيا و كذا أخرج منها.
و قد أوحى اللّه تعالى إلى داود عليه الصلاة و السلام يا داود اصبر
على المئونة تأتك من اللّه المعونة، و قد كان عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى
يقول: لو كانت الدنيا نعيما بلا كدر لكانت هي الجنة و لم نحتج إلى الانتقال منها،
و كان محمد بن الحنيفية رضي اللّه عنه يقول:
احذر من الشكوى فإنها تفرح عدوك و تحزن صديقك ا ه، فاعلم يا أخي ذلك
و كن صابرا تغنم و الحمد للّه رب العالمين.
كثرة التسليم لأمر اللّه
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة التسليم لأمر اللّه تعالى و الرضا بقضائه عند فقد ولد أو أخ أو أحد من
الأهلين و الأقارب إيثارا لمراد اللّه عز و جل على مرادهم، و قد مات مرة ولد لداود
عليه الصلاة و السلام فحزن عليه حزنا شديدا فقيل له: ما كان يعدل عندك؟ قال: ملء
الأرض ذهبا أنفقه في سبيل اللّه عز و جل، فأوحى اللّه إليه لك من الأجر مثل ذلك، و
كان بكر المزني رحمه اللّه تعالى يقول: لا فائدة في الجزع بعد الموت لأنه لا يرد
فائتا، و قد كان حاتم الأصم رحمه اللّه تعالى يقول: إذا رأيتم صاحب المصيبة قد مزق
ثيابه و أظهر الجزع فلا تعزوه فإنه صاحب إثم فمن عزاه فقد شاركه في الإثم، إنما
الواجب نهيه عن ذلك و كان أبو سعيد البلخي رحمه اللّه تعالى يقول: من أصيب بمصيبة
فمزق ثوبا أو ضرب خدا فكأنما أخذ رمحا يقاتل به ربه عز و جل، و كان عبد اللّه بن
المبارك رحمه اللّه تعالى يقول: من أصيب بمصيبة فليفعل في اليوم الأول ما يفعله في
اليوم الخامس من مصيبته- يعني من ضحك أو أكل و غير ذلك-، و في الحديث قال صلى
اللّه عليه و سلم: [من سعادة العبد رضاه بقضاء اللّه تعالى].
و كان عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما يقول: أول شيء كتبه اللّه
في اللوح المحفوظ إني أنا اللّه لا إله إلا أنا محمد رسولي من لم يستسلم لقضائي و
لم يصبر على بلائي و لم يشكر نعمائي فليتخذ له ربا سواي، و من استسلم لقضائي و صبر
على بلائي و شكر نعمائي كتبته صديقا و بعثته مع الصديقين، و كان أبو هريرة رضي
اللّه عنه يقول: من ذروة الإيمان الاستسلام