(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة الصبر على البلايا و النوازل و عدم سخطهم على مقدور ربهم عز و جل و كانوا
يقولون من لم يصبر فليتصبر لحديث [و من يتصبر يصبره اللّه تعالى] فعلم أن من لم
يصبر على فضول الدنيا من طعام و منام و كلام و جماع و غير ذلك لا تقول له الملائكة
يوم القيامة سلام عليكم بما صبرتم، بل هو يومئذ في هم و غم و عدم أمن بخلاف من
سلمت عليه الملائكة عليهم الصلاة و السلام فإنه يأمن و يزول عنه الهم و الغم و
يصير في فرح و سرور و أمن، و قد كان عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه يقول في
قوله تعالى: [وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ
الْبَأْسِ][1] أنه الفقر و المرض.
و كان كعب الأحبار رضي اللّه عنه يقول: لا يوصف بالصبر إلا من صر على
أذى الناس له و لم يقابلهم بنظيره يعني لا سرا و لا جهرا حتى بالدعاء عليهم و
التوجه فيهم إلى اللّه تعالى، و أعظم الصبر أيضا صبر العبد عما نهى اللّه عنه و
على ما أمره اللّه بفعله، و قد كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: إن
اللّه تعالى ليواصل البلاء بعبده المؤمن فينزل عليه بلاء بعد بلاء حتى يمشي و ليس
عليه خطيئة، و قد عثرت امرأة فتح الموصلي رحمها اللّه تعالى مرة فطار ظفرها فضحكت،
فقيل لها: ألم تجدي ألم الظفر؟، قالت: بلى و لكن ثواب ذلك ألهاني عن وجود الاشتغال
بالألم، و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: لو لا الفقر و المرض و الموت
ما طأطأ ابن آدم رأسه من شدة الكبر، ثم بعد ذلك هو وثاب على معاصي اللّه تعالى.
و قد شكا الأحنف بن قيس رحمه اللّه تعالى وجع ضرسه لعمه فقال له: يا
أحنف أراك تشكو وضع ضرسك من ليلة واحدة و اللّه إن لي بذلك نحو ثلاثين سنة ما أظن
أن أحدا شعر بذلك غيرك، و كان أبو سليمان الداراني يقول: مر موسى عليه الصلاة و
السلام يوما برجل قد خرقت السباع بطنه و نهشت لحمه فعرفه موسى فوقف عليه و قال: يا
رب إنه كان مطيعا لك فما الذي أرى، فأوحى اللّه إليه يا موسى أنه سألني درجة لم يبلغها
بعمله فابتليته لأبلغه تلك الدرجة.
و قد كان كعب الأحبار رحمه اللّه تعالى يقول: من شكا مصيبة نزلت به
إلى غير اللّه تعالى لم يجد للعبادة بعد ذلك حلاوة حتى يتوب اللّه تعالى عليه، و
كان وهب بن منبه رحمه اللّه تعالى يقول: أوحى اللّه تعالى إلى العزير 7
إذا نزلت بك بلية فاحذر أن