(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
محبتهم في سكنى البيوت الملاصقة للمسجد ليسهل عليهم الجلوس في المسجد في أغلب
أوقاتهم إذا عملوا بآداب المساجد، و ذلك لما ورد مرفوعا [المساجد بيوت المتقين و
من كانت المساجد بيته ضمن اللّه له الروح و الراحة و الجواز على الصراط]، و كان
أبو صادق الأزدي رحمه اللّه تعالى يقول: ألزموا الجلوس في المساجد فإنه بلغني أنها
كانت مجالس الأنبياء عليهم الصلاة و السلام، و كان حكم بن عمير رضي اللّه عنه
يقول:
اتخذوا المساجد بيوتا، و كان أبو إدريس الخولاني رحمه اللّه تعالى
يقول: المساجد بيوت الكرام على اللّه تعالى من الناس و محل جلوسهم فقد ورد المسجد
بيت كل تقي.
و قد كان عيسى عليه الصلاة و السلام ينهى من لم يعرف أدب المساجد أن
يكثر الجلوس فيها، و قد رأى 7 مرة قوما يلعبون في المسجد فلف رداءه و
ضربهم به و أخرجهم منه، و قال اتخذتم بيوت اللّه أسواقا للدنيا، و إنما هي أسواق
الآخرة، و قد كان المسجد بيت عطاء بن أبي رباح رحمه اللّه تعالى مدة أربعين سنة، و
كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى يقول: لو لا البول ما خرجت من المسجد في ليل و
لا نهار، فقد بلغني أن اللّه عز و جل يقول: إني لأهم بعذاب عبادي فأنظر إلى عمار
المساجد و قراء القرآن و ولدان الإسلام فيسكن غضبي.
و كان خلف بن أيوب رحمه اللّه تعالى يوما جالسا في المسجد فأتاه
غلامه فسأله عن شيء من حوائج الدنيا فقام حتى خرج من المسجد و أجابه ثم رجع، و
قال كرهت أن أتكلم بكلام الدنيا في المسجد، و كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي
اللّه عنه إذا سمع صوتا عاليا في المسجد يضرب صاحبه بالدرة و يقول له: تدري أين
أنت فإن من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه عز و جل.
و قد سئل سعيد بن المسيب رحمه اللّه تعالى أيما أحب إليك حضور الصلاة
على الجنازة أم الجلوس في المسجد، فقال الجلوس في المسجد أحب إليّ لأن الملائكة
عليهم الصلاة و السلام تستغفر لي مادمت في المسجد و ذلك أفضل من حصول القيراط أو
القيراطين أو الثلاث من الأجر الذي ورد لمن صلى على جنازة، و كان الفضيل بن عياض
رحمه اللّه تعالى يقول:
لقد أدركنا الناس و هم لا يكلم بعضهم بعضا ماداموا جالسين في المسجد
في شيء من أمور الدنيا اه.
فتأمل يا أخي ما ذكرته لك و لا تتكلم مادمت في المسجد إلا بنية صالحة
تسلم و تغنم، و الحمد للّه رب العالمين.