عنه، قرحة في حلقه، فقال اخنق[1] خنقك، فوعزتك إني أحبك».
و كان علي بن سهل المدائني، رحمه اللّه، يقوم إذا هدأت العيون،
فينادي بصوت له محزون: «يا من اشتغلت قلوب خلقه عنه بما يعقبهم عند لقائه ندما، و
يا من سهت قلوب عباده عن الاشتياق إليه، إذ كانت أياديه إليهم قبل معرفتهم به» ثم
يبكي حتى تبكي لبكائه جيرته، ثم ينادي: «ليت شعري سيدي إلى متى تحبسني! ابعثني
سيدي إلى حسن وعدك، و أنت العليم أن الشوق قد برح بي، و طال علي الانتظار» ثم يخر
مغشيا عليه، فلا يزال كذلك حتى يحرك لصلاة الصبح.
و كان الحارث بن[2] عمير،
رحمه اللّه، يقول إذا أصبح: أصبحت و نفسي و قلبي مصر على حبك سيدي، و مشتاق إلى
لقائك! فعجل بذلك قبل أن يأتيني سواد الليل، فإذا أمسى قال مثل ذلك، فلم يزل على
مثل هذا الحال ستين سنة.
فالمشتاق إلى اللّه، تعالى: هو المتبرم[3]
بالدنيا و البقاء فيها، و هو محب للموت و انقضاء المدة و الأجل.
و من علامته التوحش[4] من الخلق،
و لزوم العزلة و الانفراد بالوحدة، و من شأنه: القلق، و الحنين؛ و الحزن، و
النحيب[5]، و الكمد[6]، و الغصة[7]
المنكسرة في الصدر بشدة الشغف و الكلف[8]
و الهذيان[9] بذكر
المحبوب، و الارتياح إليه، و الفكرة الصافية بهيجان الهمة، و جولان الروح في
الغيوب، لطلب اللقاء و البهت[10]، و الدهش،
و الحيرة، عند توهم الظفر بالأمل من المأمول، و نسيان حظه من الدنيا
الحارث بن عمير الأزدي اللهبي.
صحابي، بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى ملك بصرى بكتابه، فلما نزل مؤتة
عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فأوثقه رباطا و ضرب عنقه صبرا، و لم يقتل لرسول
اللّه صلّى اللّه عليه و سلم رسول غيره. و على أثر مقتله كانت غزوة مؤتة.