و قال تعالى: وَ إِنْ تَعُدُّوا
نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [إبراهيم: 34].
و قال: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي
أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [البقرة: 40 و 47].
فإذا أفاق العبد من الغفلة، فكر و نظر إلى نعم اللّه تعالى، عليه، و
تكاملها قديما و حديثا.
فأما نعمه القديمة: فذكره لك قبل أن تك شيئا، و ما خصك به من توحيده،
و الإيمان به، و المعرفة له، فأجرى باسمك القلم في اللوح المحفوظ مسلما؛ ثم أهلك
القرون السالفة، و جعلك في شرذمة[2] من
المؤمنين ناجية، حتى أخرجك في خير أمة، و أكرم دين، و من أمة حبيبه: محمد، صلّى
اللّه عليه و سلم، ثم هداك للسنة، و استعملك بالشريعة و باعدك من الزيغ و الأهواء،
ثم رباك، و كلأك، و غذاك، حتى وجبت عليك الأحكام.
فأغفلت نعمته، و فرطت في حفظ وصيته، و ركبت هواك من عمرك حينا، و في
كل ذاك لا يكافئك بإساءتك، بل يسترك، و يحلم عنك، و ينظرك.
ثم عطف عليك بعد ذلك، بعدما كنت شرودا فأيقظك من الغفلة، و عرّفك ما
فاتك من حظك من طاعتك، فوهب لك الإنابة إليه، و أجلسك على طيّب مرضاته.
فوجب عليك الآن شكر بعد شكر!! فأي نعماه تحصي. و على أيها تشكر؟
و لا بدّ من معرفة الشكر، و مباشرته.
و الشكر على ثلاثة وجوه:
شكر القلب، و شكر اللسان، و شكر البدن.
[1] - انظر حديث القشيري عن الشكر في رسالته ص 173-
178.
[2] - الشّرذمة: القطعة من الشيء. و شرذمة من الناس:
جماعة قليلة( ج) شراذم.