و الثالثة: ذكرك لوقوفك بين يدي اللّه، عزّ
و جلّ، و مساءلته إياك عن الصغير و الكبير.
قلت: فما الذي يشيّد الحياء و يقويه؟
قال: «الخوف للّه، عزّ و جلّ، عند الهوى الخاطر الواقع في القلب!
فيفزع القلب، و يستوحش عندما يعلم أن اللّه تعالى، يرى ما فيه فيثبت الحياء من
اللّه، فإذا دام على ذلك زاد الحياء و قوي».
قلت: فالذي يولد الحياء ما هو؟
قال: الفزع من أن يكون اللّه تعالى، عنه معرضا و له ماقتا، و لفعله
غير راض.
قلت: فما الغالب على قلب المستحي من ربه؟
قال: إجلال رؤية من يراه، فحينئذ يهاب اللّه، عزّ و جلّ، و يستحي
منه.
قال أبو سعيد، رحمه اللّه تعالى: سمعت بعض المريدين سأل بعض أهل
المعرفة.
قال: ما علامة هيبة اللّه في قلب العارف باللّه؟
قال: إذا استوى عنده الأفعى و الذباب.
قلت: فبم يضعف الحياء؟
قال: بترك المحاسبة و ترك الورع.
قلت: فكيف أحوال المستحي في نفسه؟
قال: طول الخشوع و دوام الإخبات[1]،
و تنكس الرأس، و انحصار الطرف، و قلة النظر إلى السماء، و كلال اللسان عن كثير من
الكلام، و الفزع من التكشف في الخلاء، و ترك العبث و الضحك، و الحياء عند إتيان ما
أباحه اللّه، فكيف بذكر عارض، مما نهى اللّه تعالى عنه؟
و الناس يتفاوتون في الحياء على قدر قرب اللّه تعالى، منهم و قربهم
منه.