أفلا يستحي من يعقل عن اللّه، تعالى، أن يراه ساكنا إلى اللّهو، و
اللعب، في دار الغرور.
قلت: الدنيا في نفسها، ما هي؟.
قال: اتفق البصراء من الحكماء على أن الدنيا: هي النفس و ما هويت.
و الحجة في ذلك: أن اللّه، عزّ و جلّ، قال:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ
الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ
الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا [آل عمران: 14].
فهذه الأمور التي ذكرها اللّه، عزّ و جلّ، هي: من هوى النفس و لذتها،
و بها تلهو عن الآخرة و ذكرها.
فإذا ترك العبد ما تهواه النفس ترك الدنيا.
ألا ترى: أن العبد قد يكون فقيرا لا شيء له، و هو يتمنى الدنيا، و
يهوى مجناها، و ينوي أن لو أمكنه منها ما يريد، لتمتع بذلك و نال لذته؟.
فهو عند اللّه، تعالى، من الراغبين على قدر همته، إلا أنه أقل حسابا
ممن نالها و استمتع بها.
فأول درجات الزهد: هو الزهد في اتباع هوى النفس، فإذا هانت على المرء
نفسه: لم يبال على أي حال أمسى و أصبح، إذا وافق محبة اللّه، تعالى، عند ذلك، على
مخالفة نفسه، و منعها من محبوبها: من الشهوات و اللذات و الراحات، و مقارنة
[1] - انظر حديث القشيري عن الزهد برسالته ص 115- 119.