الأحباء و الأخدان و الأصحاب من أهل الغفلة،
و من كان منهم غويا على ذلك الأمر الذي يريده العبد، فإن آفة العبد: صحبة من يريد
ما يريد.
ثم أخذ البلغة: من الطعام، و الشراب، و اللباس، و المنزل، و النوم، و
الكلام، و النطق، و الاستماع، و ترك التمني لشيء من الدنيا، و الحذر من تحليها.
لأن النبيّ، صلّى اللّه عليه و سلم، قال: «الدنيا خضرة حلوة»[1].
فيتوهم العبد فناءها؛ فيقصر فيها أمله، مع توقع الموت، و التشوف إلى
الآخرة، و الشوق إلى النزول في دار بقائها، و العمل في ذلك!.
و لذلك يخلع الراحة من القلب: بدوام الفكرة، و من البدن: بدوام
الخدمة.
فهذا أول درجات الزهد.
و قال سفيان الثوري، رحمه اللّه تعالى، و وكيع بن الجراح[2]، و أحمد بن حنبل[3]،
و غيرهم؛ رحمهم اللّه تعالى: إن الزهد في الدنيا: قصر الآمال.
و هذا يدل على ما قالت الحكماء؛ لأنه من قصر أمله: لم ينعم، و كانت
الغفلة منه بعيدة.
[1] - أخرجه السيوطي في( الدر المنثور 4/ 204)، و
الحميدي في( المسند 740)، و عبد الرزاق في( المصنف 6962)، و الزبيدي في( إتحاف
السادة المتقين 6/ 12)، و المنذري في( الترغيب و الترهيب 2/ 552)، و المتقي الهندي
في( كنز العمال 6076)، و ابن حجر في( فتح الباري 11/ 246)، و البخاري في( التاريخ
المفرد 1/ 190)، و ابن عساكر في( تهذيب تاريخ دمشق 4/ 419).
وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي،
أبو سفيان حافظ للحديث، ثبت، كان محدث العراق في عصره ولد بالكوفة، و تفقه و حفظ
الحديث، و اشتهر، و أراد الرشيد أن يوليه قضاء الكوفة، فامتنع ورعا. و كان يصوم
الدهر. له كتب منها« تفسير القرآن» و« السنن» و« المعرفة و التاريخ» و« الزهد».
توفي بفيد راجعا من الحج.
الأعلام 8/ 117، و تذكرة الحفاظ
1/ 282، و حلية 8/ 368، و مفتاح السعادة 2/ 117.
أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد
اللّه، الشيباني الوائلي. إمام المذهب الحنبلي، و أحد الأئمة الأربعة أصله من مرو.
و ولد ببغداد، فنشأ منكبّا على طلب العلم، و سافر في سبيله أسفارا كبيرة إلى
الكوفة و البصرة و المدينة و اليمن و الشام و الثغور و المغرب و الجزائر و
العراقين و فارس و خراسان و الجبال و الأطراف. و صنف« المسند» و له كتب في«
التاريخ» و« الناسخ و المنسوخ» و« التفسير» و« فضائل الصحابة» و« المناسك» و«
الزهد» و« المسائل» و غير ذلك.
الأعلام 1/ 203، و ابن عساكر 2/
28، و حلية 9/ 161، و الجمع 5، و صفة الصفوة 2/ 190، و تاريخ بغداد 4/ 412.