و الصبر: اسم لمعان ظاهرة و باطنة، فأما الظاهرة فهي ثلاث:
فأولها: الصبر على أداء فرائض اللّه تعالى، على كل حال: في الشدة و
الرخاء، و العافية و البلاء، طوعا و كرها.
ثم الصبر الثاني: هو الصبر عن كل ما نهى اللّه تعالى عنه، و منع
النفس من كل ما مالت إليه بهواها مما ليس للّه تعالى، فيه رضا، طوعا و كرها.
و هذان صبران في موطنين: هما فرض على العباد أن يعملوا بهما.
ثم الصبر الثالث: هو الصبر على النوافل، و أعمال البر، مما يقرب
العبد إلى اللّه تعالى: فيحمل نفسه على بلوغ الغاية منه للذي رجاه من ثواب اللّه،
عزّ و جلّ.
و هكذا يروى، أنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلم فيما رواه عن ربه، عزّ
و جلّ قال: «ما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضته عليه، و لا يزال عبدي يتقرب إلي
بالنوافل حتى أحبه»[1].
و الصبر الرابع: هو الصبر على قبول الحق ممن جاءك به من الناس، و
دعاك إليه بالنصيحة، فيقبل منه، لأن الحق رسول من اللّه، جلّ ذكره إلى العباد، و
لا يجوز لهم رده. فمن ترك قبول الحق و رده فإنما يرد على اللّه تعالى أمره!.
و هذا ظاهر الصبر الواجب على الخلق الذي لا يسعهم جهله، و لا بد لهم
منه.
و بقي شرح حقائق الصبر و غايته، الذي يكون مع الصابرين بعد إحكام هذا
الصبر الذي ذكرناه.
قلت: فالصبر: في نفسه، ما هو و ما موجوده في القلب؟
قال: الصبر: هو احتمال مكروه النفس.
و موجوده: إذا وقع بالنفس ما تكرهه تجرّعت ذلك، و أنفت الجزع، و تركت
البث و الشكوى، و كتمت ما نزل بها.
[1] - أخرجه الزبيدي في( إتحاف السادة المتقين 8/ 477)،
و ابن الجوزي في( العلل المتناهية 1/ 32).