أفلا ترى: أنه كظم ما كره، و شق على نفسه احتماله، فصار صابرا؟ فإذا
أبدى الجزع و كافأ من أساء إليه، و لم يعف عمن أساء إليه: خرج من حدّ الصبر على
هذا القياس.
قلت: فبماذا يقوى الصابر على الصبر، و بماذا يتم له؟
و ذلك: أن العبد لما آمن باللّه تعالى، و صدّق قوله في الذي وعده و
تواعده، قامت في قلبه الرغبة في ثواب اللّه تعالى، الذي وعده، و لزمت قلبه الخشية
من عقاب اللّه الذي تواعده، و صحت عند ذلك رغبته، و قامت عزيمته في طلب النجاة مما
يخافه، و هاجت آماله في الظفر بالذي يرجوه، فجدّ عنه ذلك في الطلب و الهرب، فسكن
الخوف و الرجاء قلبه! فركب عند ذلك مطية الصبر، و تجرّع مرارته عند نزوله، و مضى
في إنفاذ العزائم، و حذر من نقصها، فوقع عليه اسم الصبر.
[1] - أخرجه الزبيدي في( إتحاف السادة المتقين 4/ 187،
9/ 5، 152، 211)، و السيوطي في( الدر المنثور 1/ 66)، و المنذري في( الترغيب و
الترهيب 4/ 277)، و ابن حجر في( فتح الباري 10/ 512)، و ابن حجر في( تفليق التعليق
18)، و المتقي الهندي في( كنز العمال 6498) و الشهاب في( المسند 158)، و الشجري
في( الأمالي 1/ 127، 2/ 194)، و العراقي في( المغني عن حمل الأسفار 1/ 231، 4/
60)، و الخطيب البغدادي في( تاريخ بغداد 13/ 226)، و ابن الجوزي في( العلل
المتناهية 2/ 331)، و الهيثمي في( مجمع الزوائد 1/ 57)، و الألباني في( السلسلة
الضعيفة 499).