ما رأيت أعبد من النورى، قيل: و لا الجنيد.
قال: و لا الجنيد.
و قال النورى: كانت المراقع غطاء على الدر، فصارت اليوم مزابل على
جيف.
و قيل: كان يخرج كل يوم من داره، و يحمل الخبز معه، ثم يتصدق به فى
الطريق، و يدخل مسجدا يصلى فيه إلى قريب من الظهر؛ ثم يخرج منه و يفتح باب حانوته،
و يصوم[1].
فكان أهله يتوهمون أنه يأكل فى السوق، و أهل السوق يتوهمون أنه يأكل
فى بيته.
بغدادى الأصل، أقام بالرملة و دمشق. من أكابر مشايخ الشام ..
صحب أبا تراب، و ذا النون، و أبا عبيد البسرى: و أباه يحيى الجلاء.
سمعت محمد بن الحسين، رحمه اللّه، يقول: سمعت محمد بن عبد العزيز
الطبرى يقول: سمعت أبا عمر الدمشقى، يقول: سمعت ابن الجلاء يقول:
قلت لأبى و أمى: أحب أن تهبانى للّه عز و جل. فقالا: قد وهبناك للّه
عز و جل.
فغبت عنهما مدة، فلما رجعت كانت ليلة مطيرة، فدققت الباب، فقال لى
أبى: من ذا؟ قلت: ولدك أحمد.
فقال: كان لنا ولد، فوهبناه للّه تعالى، و نحن من العرب لا نسترجع ما
وهبناه.
و لم يفتح لى الباب.
و قال ابن الجلاء: من استوى عنده المدح و الذم، فهو زاهد. و من حافظ
على الفرائض فى أول مواقيتها فهو عابد، و من رأى الأفعال كلها من اللّه، فهو موحد
لا يرى إلا واحدا.
و لما مات ابن الجلاء نظروا إليه، و هو يضحك: فقال الطبيب: إنه حى.
ثم نظر إلى مجسته فقال: إنه ميت. ثم كشف عن وجهه، فقال: لا أدرى أهو
ميت أم حى ..