و سئل ذو النون عن السفلة فقال: من لا يعرف
الطريق إلى اللّه، و لا يتعرفه.
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمى، رحمه اللّه، يقول: سمعت أبا بكر
محمد بن عبد اللّه بن شاذان يقول: سمعت يوسف بن الحسين يقول:
حضرت مجلس ذى النون يوما؛ و جاءه سالم المغربى، فقال له: يا أبا
الفيض، ما كان سبب توبتك؟ قال: عجب لا تطيقه. قال: بمعبودك إلا أخبرتنى.
فقال ذو النون: أردت الخروج من مصر إلى بعض القرى، فنمت فى الطريق فى
بعض الصحارى، ففتحت عينى، فاذا أنا بقنبرة[1]
عمياء سقطت من وكرها على الأرض، فانشقت الأرض، فخرج منها «سكرجتان»[2]: إحداهما ذهب، و الأخرى فضة و فى
إحداهما سمسم، و فى الأخرى ماء، فجعلت تأكل من هذا، و تشرب من هذا.
فقلت: حسبى، قد تبت، و لزمت الباب إلى أن قبلنى اللّه عز و جل.
سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت على بن عمر الحافظ يقول: سمعت ابن
رشيق: يقول: سمعت أبا دجانة يقول: سمعت ذا النون يقول:
[2] - سكرجتان( مثنى، و الواحدة سكرجة بضم السين و هى
الصحفة التى يوضع فيها الأكل):
[3] - الحكمة: العلم النافع مع العمل المتقن. قال
العروسى:« إن الحكمة حكمتان: منطوق بها، و هى: علوم الشريعة و الطريقة، و مسكوت
عنها، و هى أسرار الحقيقة التى يفهمها علماء الرسوم و العامة؛ و الحكمة المجهولة:
هى ما غاب عنا وجهها من أحكام سر القدر الذى استأثر اللّه بعلمه. و كل ذلك إنما
يتوصل إليه بالجوع الموجب للنشاط فى العبادة، و المؤثر فى تنوير القلوب حتى تدرك
جواهر العلوم» قال صلى اللّه عليه و سلم:« ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه»« حسب
المسلم أكلات يقمن صلبه، فان كان لا محالة»« فثلث لطعامه و ثلث لشرابه و ثلث
لنفسه».
[4] - و هى- على الحقيقة- إقلاع التائب عما يتوب عنه، و
عزمه على أن لا يعود إليه، و رده ظلامة الآدمى إن تعلقت به.
[5] - قال العروسى« أعلم أنهم يريدون من العوام:
القائمين بما عليهم من أحكام الأوامر و النواهى، ثم قال:« حرية العامة بالتخلص من
رق الشهوات، و الخاصة بالتخلص من رق العادات، و خاصة الخاصة بالتخلص من الوقوف مع
الأحوال و المقامات حيث تكون لهم أنفة لا ترضى إلا بمشاهدة الذات».