قاعدة- [في أنّ الحق الأول لم يزل فاعلا للأشياء و في الحدوث
الذاتي و التقدم و التأخر و العلية]
(48) إنّ قوما يرون أنّ الحق الأوّل لم يفعل الأشياء في الأزل، ثم
شرع ففعل. و حجّتهم أنّه لو دام الصنع مع الصانع لساواه[4]
فلا يكون بينهما فرق.
حجة أخرى قالوا: لو كان العالم دائم الوجود لكان عدد أيّامه و لياليه
و بالجملة حوادث العالم غير متناهية.
و قالوا: اليوم آخر[5] ما مضى،
فتناهى[6] به،
فانتهى.
(49) و قوم آخرون و هم الفلاسفة مثل أرسطاطاليس- و هو إمام القوم- و
مباحثو المشائين يرون أنّ الحقّ الأوّل لم يزل فاعلا للأشياء و أنّ وجوده دائم
معه. و احتجّوا فقالوا:
قد بيّنا أنّ الممكن لا يحصل إلّا بالمرجّح. فإن كان المرجّح و السبب
هو ذاته الأول، و ذاته مع أيّ عدد من الصفات يفرض و هو دائم، فيدوم التّرجيح؛ و إن
كان هو حاصلا مع جميع ما يفرض صفة له، و لم يحصل الفعل، فهو موقوف على وقت أو شرط
أو زوال مانع ممّا يتوقّف عليه الفعل، و قبل جميع الممكنات لا وقت و لا شرط،
فإنّهما[7] من
المخلوقات. و ليس في العدم الصريح حال يكون فيه فعل شيء أولى به من حال آخر. و لا
يتجدد له إرادة أو قدرة فيريد بعد ما لم يرد، أو يقدر بعد ما لم يقدر. مع أن كل ما
يتجدّد هو من جملة الممكنات، و لا يتقدّم على جميع الممكنات إلّا هو، و هو دائم،
فالمرجّح هو لا غير فيدوم به الترجيح؛ و أفعالنا إنّما يتخلّف[8]
عن وجودنا لتوقّفها على إرادة أو مادّة أو آلة أو وقت حتّى إذا حضرت