فَتَوَهَّمَ ابْنُ زِيَادٍ وَ خَرَجَ فَلَمَّا دَخَلَ الْقَصْرَ أَتَاهُ مَالِكُ بْنُ يَرْبُوعٍ التَّمِيمِيُّ بِكِتَابٍ أَخَذَهُ مِنْ يَدَيِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَقْطُرَ فَإِذَا فِيهِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُخْبِرُكَ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَكَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَذَا فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَالْعَجَلَ الْعَجَلَ فَإِنَّ النَّاسَ مَعَكَ وَ لَيْسَ لَهُمْ فِي يَزِيدَ رَأْيٌ وَ لَا هَوًى. فَأَمَرَ ابْنُ زِيَادٍ بِقَتْلِهِ وَ قَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ الْكِنْدِيِّ وَ عَمْرِو بْنِ الْحَجَّاجِ الزُّبَيْدِيِّ وَ أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ الْفَزَارِيِّ أَحْضِرُوا هَانِيَ بْنَ عُرْوَةَ فَأَحْضَرُوهُ بِاللُّطْفِ فَالْتَفَتَ ابْنِ زِيَادٍ إِلَى شُرَيْحٍ الْقَاضِي وَ تَمَثَّلَ
أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَ يُرِيدُ قَتْلِي
عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادٍ[1]
فَقَالَ هَانِي مَا هَذَا أَيُّهَا الْأَمِيرُ قَالَ جِئْتَ بِمُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ وَ أَدْخَلْتَهُ دَارَكَ وَ جَمَعْتَ لَهُ السِّلَاحَ وَ الرِّجَالَ فِي دُورٍ حَوْلَكَ وَ ظَنَنْتَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْفَى عَلَيَّ فَأَنْكَرَ هَانِي بْنُ عُرْوَةَ ذَلِكَ فَقَالَ عَلَيَّ بِمَعْقِلٍ فَلَمَّا جِيءَ بِهِ قَالَ أَ تَعْرِفُهُ قَالَ هَانِي مَا دَعَوْتُ مُسْلِماً وَ إِنَّمَا جَاءَنِي بِالْجِوَارِ فَإِذْ قَدْ عَرَفْتُ أُخْرِجُهُ مِنْ جِوَارِي قَالَ لَا وَ اللَّهِ لَا مَنَاصَ لَكَ مِنِّي إِلَّا بَعْدَ أَنْ تُسْلِمَهُ إِلَيَّ قَالَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَداً فَكَلَّمَهُ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ فِي ذَلِكَ قَالَ لَيْسَ عَلَيْكَ فِي دَفْعِهِ عَارٌ إِنَّمَا تَدْفَعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ فَقَالَ هَانِي بَلَى وَ اللَّهِ عَلَيَّ أَعْظَمُ الْعَارِ أَنْ أُسْلِمَ جَارِي وَ ضَيْفِي وَ رَسُولَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ وَ أَنَا حَيٌّ صَحِيحُ السَّاعِدَيْنِ كَثِيرُ الْأَعْوَانِ وَ اللَّهِ لَوْ لَمْ أَكُنْ إِلَّا وَاحِداً لَمَا سَلَّمْتُهُ أَبَداً حَتَّى أَمُوتَ مِنْ دُونِهِ فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ إِنْ لَمْ تُحْضِرْهُ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ وَ ضَرَبَ قَضِيباً عَلَى أَنْفِهِ وَ جَبْهَتِهِ حَتَّى هَشَمَهُ[2] وَ أَمَرَ بِحَبْسِهِ وَ بَلَغَ ذَلِكَ مَذْحِجاً فَأَقْبَلَتْ إِلَى الْقَصْرِ فَأَمَرَ ابْنُ زِيَادٍ شُرَيْحاً الْقَاضِيَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَ يُعْلِمَهُمْ أَنَّهُ حَيٌّ سَالِمٌ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ وَ صَرَفَهُمْ وَ وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ كَانُوا حَوَالَيْهِ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ مِمَّنْ بَايَعُوهُ فَتَحَرَّزَ عُبَيْدَ اللَّهِ وَ غَلَّقَ الْأَبْوَابَ وَ سَارَ مُسْلِمٌ حَتَّى أَحَاطَ بِالْقَصْرِ فَبَعَثَ عُبَيْدُ اللَّهِ كُثَيْرَ بْنَ شِهَابٍ الْحَارِثِيَّ وَ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ الْكِنْدِيَّ مِنْ بَابِ الرُّومِيِّينَ بِرَايَةِ الْأَمَانِ لِمَنْ جَاءَهَا مِنَ النَّاسِ فَرَجَعَ الرُّؤَسَاءُ إِلَيْهَا فَدَخَلُوا الْقَصْرَ فَقَالَ لَهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ أَشْرِفُوا عَلَى النَّاسِ فَمَنُّوا أَهْلَ الطَّاعَةِ
[1] هذا مثل تمثل به أمير المؤمنين عليه السلام و هو ينظر الى ابن ملجم يقال عذيرك من فلان بالنصب: اي هات من يعذرك فيه فعيل بمعنى فاعل.
[2] هشمه: كسره.