وَ خَوِّفُوا أَهْلَ الْمَعْصِيَةِ فَمَا زَالَ النَّاسُ يَتَفَرَّقُونَ حَتَّى أَمْسَى مُسْلِمٌ وَ مَا مَعَهُ إِلَّا ثَلَاثُونَ نَفْساً فَلَمَّا صَلَّى الْمَغْرِبَ مَا رَأَى أَحَداً فَبَقِيَ فِي أَزِقَّةِ[1] كِنْدَةَ مُتَحَيِّراً فَمَشَى حَتَّى أَتَى إِلَى بَابِ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا طَوْعَةُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ فَتَزَوَّجَهَا أُسَيْدٌ الْحَضْرَمِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ بِلَالًا وَ كَانَ بِلَالٌ خَرَجَ مَعَ النَّاسِ وَ أُمُّهُ قَائِمَةٌ تَنْتَظِرُهُ فَقَالَ لَهَا مُسْلِمٌ يَا أَمَةَ اللَّهِ اسْقِينِي فَسَقَتْهُ وَ جَلَسَ فَقَالَتْ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَسَكَتَ ثُمَّ عَادَتْ فَسَكَتَ فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ قُمْ إِلَى أَهْلِكَ فَقَالَ مَا لِي فِي هَذَا الْمِصْرِ مَنْزِلٌ وَ لَا عَشِيرَةٌ قَالَتْ فَلَعَلَّكَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ فَآوَتْهُ فَلَمَّا دَخَلَ بِلَالٌ عَلَى أُمِّهِ وَقَفَ عَلَى الْحَالِ وَ نَامَ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَذَّنَ مُنَادٍ مَنْ دَلَّ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَهُ دِيَتُهُ وَ بَرِئَتِ الذِّمَّةُ مِنْ رَجُلٍ وَجَدْنَاهُ فِي دَارِهِ فَجَاءَ بِلَالٌ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَثِ فَأَخْبَرَهُ بِمَكَانِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ عِنْدَهُ فَأَقْبَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَ دَنَا مِنْ أَبِيهِ وَ سَارَّهُ فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ مَا يَقُولُ ابْنُكَ فَقَالَ يَقُولُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي دَارٍ مِنْ دُورِنَا فَأَنْفَذَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَمْرَو بْنِ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيَّ وَ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا حَتَّى أَطَافُوا بِالدَّارِ فَحَمَلَ مُسْلِمٌ عَلَيْهِمْ وَ هُوَ يَقُولُ
هُوَ الْمَوْتُ فَاصْنَعْ وَيْكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ
فَأَنْتَ بِكَأْسِ الْمَوْتِ لَا شَكَّ جَارِعٌ
فَصَبِّرْ لِأَمْرِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ
فَحُكْمُ قَضَاءِ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ ذَائِعٌ
فَقَتَلَ مِنْهُمْ وَاحِداً وَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا فَأَنْفَذَ ابْنُ زِيَادٍ اللَّائِمَةَ إِلَى ابْنِ الْأَشْعَثِ فَقَالَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّكَ بَعَثْتَنِي إِلَى أَسَدٍ ضَرْغَامٍ وَ سَيْفٍ حُسَامٍ فِي كَفِّ بَطَلٍ هُمَامٍ مِنْ آلِ خَيْرِ الْأَنَامِ قَالَ وَيْحَكَ ابْنُ عَقِيلٍ لَكَ الْأَمَانُ وَ هُوَ يَقُولُ لَا حَاجَةَ لِي فِي أَمَانِ الْفَجَرَةِ وَ هُوَ يَرْتَجِزُ
أَقْسَمْتُ لَا أُقْتَلُ إِلَّا حُرّاً
وَ إِنْ رَأَيْتُ الْمَوْتِ شَيْئاً نُكْراً
أَكْرَهُ أَنْ أُخْدَعَ أَوْ أُغَرَّا
كُلُّ امْرِئٍ يَوْماً يُلَاقِي شَرّاً
أَضْرِبُكُمْ وَ لَا أَخَافُ ضَرّاً
ضَرْبَ غُلَامٍ قَطُّ لَمْ يَفِرَّا
فَضَرَبُوهُ بِالسِّهَامِ وَ الْأَحْجَارِ حَتَّى عَيِيَ وَ اسْتَنَدَ حَائِطاً فَقَالَ مَا لَكُمْ تَرْمُونِي بِالْأَحْجَارِ كَمَا تُرْمَى الْكُفَّارُ وَ إِنَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَبْرَارِ أَ لَا تَرْعَوْنَ حَقَّ رَسُولِ اللَّهِ فِي ذُرِّيَّتِهِ فَقَالَ ابْنُ الْأَشْعَثِ لَا تَقْتُلْ نَفْسَكَ وَ أَنْتَ فِي ذِمَّتِي قَالَ أُؤسَرُ وَ بِي طَاقَةٌ لَا
[1] الازقة جمع الزقاق بالضم: السكة.