فهل يجب أن يكون
العلم مستنداً إلى الحواسّ الظاهرة فيما يمكن، كالبصر في المبصرات و السمع في
المسموعات و الذوق في المذوقات و هكذا، فإذا حصل العلم القطعي بشيء من غير
المبادئ الحسّية حتّى في المبصرات من السماع المفيد للعلم القطعي، لم يجز الشهادة،
أم يكفي العلم القطعي بأيّ سبب، كالعلم الحاصل من التواتر و الاشتهار؟ وجهان،
الأشبه الثاني (2). نعم يشكل جواز الشهادة فيما إذا حصل العلم من الأُمور غير
العادية (3) كالجفر و الرمل، و إن كان حجّة للعالم.
على هذه
الصحيحة، و سيجيء للكلام تتمّة عند التعرّض للمسألة الثالثة.
(2) لما
عرفت من أعمّية موضوع الاعتبار عند العقلاء، و أنّ الأدلّة الشرعية إنّما اعتبرت
العلم بالمشهود به و لم تعتبر فيه حصوله من طريق خاصّ، فهو باقٍ على عمومه كما عند
العقلاء.
(3) و ذلك
أنّه يمكن دعوى أنّ العقلاء إنّما يعتبرون أخبار الثقة و يرونه حجّة إذا استند إلى
الطرق العادية. و أمّا غير العادية فلم يعلم اعتبار الخبر المستند إليها عندهم، و
الأدلّة الشرعية إنّما قامت بصدد بيان اعتبار العلم بالمشهود به في قبال أن يستند
إلى الظنّ مثلًا، و لا إطلاق لها يقتضي حجّية الاستناد إلى علم لا يرونه العقلاء
كافياً في حجّية المستند إليه.
ثمّ إنّه
ينبغي أن يعلم: أنّ الأُمور و الطرق العادية لا تنحصر فيما يعرفه كلّ الناس، بل
تشمل ما إذا كان عرفانه محتاجاً إلى خبروية و تخصّص، كعلم الهندسة و علم خواصّ
الأشياء و الرياضيات؛ فإنّها أُمور و علوم عادية