1-
في المرحلة السابقة عرفنا بأنّ الإسرائيليّين (بصورة عامة) لم يؤمنوا بعيسى عليه
السّلام، بل كذّبوه و كفروا به و اتهموه بالسحر.
و بذلك
عرف عيسى منهم الكفر بصورة واضحة محسوسة لا شكّ فيها و لا ريب.
فأراد
عيسى عليه السّلام أن يعرف من بين هؤلاء الناس من آمن به منهم على قلتهم، و
يختارهم؛ لمواصلة رسالته و دعوته بطريقة اخرى، هي: تربية هذه النخبة و إعدادهم؛
ليتمّ التركيز في العمل عليهم، و ليتحملوا هذه المسئولية معه، و يقوموا مقامه إذا
ألّمت به النوائب، و تعرض إلى القتل أو الوفاة، فأطلق نداءه بين الإسرائيليّين
مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ أي: من أنصاري في طريقي إلى اللّه
تعالى.
2-
و هنا كانت استجابة الحواريين[1] و إيمانهم
المطلق بعيسى بعد اللّه
[1] - و الحواريون: هم خاصة الإنسان و خالصته، و أصل
الكلمة: من( الحور)، و هو البياض الناصع، و يطلق( الحواريون) في اللغة على( قصارى
الثياب)؛ لأنّهم يبيضونها و ينظفونها من الأوساخ. و اطلق على الخاصة من الاصحاب؛
لمكان الطهارة و الصفاء و البياض في علاقتهم و إخلاصهم.
و قد ورد ذكرهم في القرآن الكريم
خمس مرات، و في ثلاث مواضع منه، هي: في سورة آل عمران، و المائدة، و الصف. كما أنّ
القرآن الكريم لم يذكر هذا الوصف في خاصة أحد من الأنبياء أو غيرهم باستثناء عيسى
عليه السّلام، فكان من الأوصاف الخاصة بخالصته.
و قد روى الصدوق في علل الشرائع و
عيون أخبار الرضا عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه قال: قلت للرضا عليه السّلام:
لم سمّى الحواريون الحواريين؟ قال:« أمّا عند الناس فإنّهم سموا حواريين؛ لأنّهم
كانوا قصّارين يخلّصون الثياب من الوسخ بالغسل، و هو اسم مشتق من الخبز الحواري(
الذي نخل مرّة بعد اخرى)، و أمّا عندنا فسمّي الحواريون حواريين؛ لأنّهم كانوا
مخلّصين في أنفسهم، و مخلّصين لغيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ و التذكير». البحار
14: 273.
و لم يحدد القرآن الكريم عددهم، و
لكن ورد في بعض النصوص: أنّ عددهم اثنا عشر رجلا، و كان أفضلهم و أعلمهم الوقا(
لوقا). المصدر السابق: 279 عن التوحيد و عيون أخبار الرضا للصدوق و( الوقا) هو
المسمّى عند النصارى ب( لوقا) و إليه ينسب أحد الأناجيل.