الرابعة:
أنّ هذه المرحلة اتصفت بقلة الاستجابة لعيسى عليه السّلام في دعوته و رسالته،
بالرغم من الحركة الواسعة التي قام بها عيسى عليه السّلام في التجوال و السيح بين
الناس؛ إذ كان من شريعته ذلك، كما نصت عليه بعض الروايات، و أكّدته النصوص
التاريخية و الإنجيلية، و كذلك رغما على هذا القدر الواسع من الكرامات و المعجزات
التي جاء بها عيسى عليه السّلام.
و
هذه النتيجة تؤشّر على قانون و سنة اجتماعية، و هي: أن الجماعة كلّما زاد تعقيدها
العقائدي و الفكري و المدني، كانت استجابتها للإصلاح الديني أقل.
و
هذا ما يفسّر لنا نزول الرسالة الخاتمة في امّة العرب الجاهليين، و تقبلهم لهذه
الرسالة مع رفض اليهود و الإسرائيليّون لها في الوقت نفسه.
الخامسة:
أنّ القرآن الكريم لا يحدّثنا عن تفاصيل المواجهة بين عيسى عليه السّلام و قومه، و
لكنّه يشير إلى أنّها كانت تتسم بالشدّة و العنف، سواء من خلال التكذيب له بعد
مجيئه بالبيّنات و الآيات، أو من خلال وصفهم بأشدّ أنواع الظلم-
... فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ* وَ مَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُوَ يُدْعى إِلَى
الْإِسْلامِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[1]-
أو من خلال وصفهم بالمكر وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ
خَيْرُ الْماكِرِينَ[2]-
أو من خلال ما وصفهم بنقض المواثيق بقتل الأنبياء، أو أنّهم كانوا لا يتناهون عن
المنكر، و أنّهم كانوا في موضع اللعن من عيسى عليه السّلام[3].