و إنّ
للمفسّر الجليل الشيخ الطبرسي بيانا لهذه الآية، و إليك نصّ كلامه؛
قال
قدّس سرّه: «و المعنى: إلّا أن يكون الكفّار غالبين و المؤمنون مغلوبين فيخافهم
المؤمن إن لم يظهر موافقتهم و لم يحسن العشرة معهم. فعند ذلك يجوز له إظهار
مودّتهم بلسانه و مداراتهم؛ تقية منه و دفعا عن نفسه، من غير أن يعتقد ذلك.
و
في هذه الآية دلالة على أنّ التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس».[1]
و
لا يخفى أنّ لهذه الآية إطلاقا من جهة أنّ ما يتّقى به؛ تشمل مطلق المرافقة و
الموافقة و إظهار المودّة بأيّ قول أو فعل و في أيّ مورد، بلا اختصاص بإظهار
الكفر.
و
لكن من جهة من يتّقى منه وردت هذه الآية في التقية من الكافرين، و لا نظر لها إلى
المخالفين. فلا يمكن الاستدلال بها لإثبات مشروعية التقية عن المخالفين، إلّا
بضميمة النصوص المفسّرة؛ حيث إنّها وردت في تفسير الآية و ناظرة إليها و دلّت على
توسعة نطاقها إلى التقية من المخالفين. و إليك بعض هذه النصوص.
منها:
ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث يقول لبعض
اليونانيين: «و آمرك أن تستعمل التقية في دينك، فإنّ اللّه يقول:
لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ، فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، إِلَّا أَنْ
تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً. و إيّاك ثمّ إيّاك أن تتعرّض
للهلاك، و أن تترك التقية الّتي أمرتك بها. فانك شائط بدمك و دماء اخوانك، معرض
لنعمك و نعمهم للزوال، مذلّ لهم في أيدي أعداء دين اللّه، و قد أمرك باعزازهم».[2]
فإنّ
قوله عليه السّلام: «و إيّاك، ثمّ إيّاك أن تتعرّض للهلاك» و قوله عليه السّلام:
«فانّك شائط بدمك و دماء اخوانك ...» ظاهر في إناطة وجوب التقية بكون المتّقي في
معرض الهلاك و خائفا