و
أمّا الكتاب: فيمكن الاستدلال ببعض الآيات الدالّة على العفو عمّا سلف من الكفّار.
فمن
هذه الآيات قوله تعالى: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ
النِّساءِ، إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ[1] أي
ما مضى منكم في عهد الجاهلية و زمان الكفر من نكاح منكوحة الأب لا تؤاخذون به بعد
الإسلام. و المقصود رفع المؤاخذة الظاهرية؛ أي الآثار الوضعية الجزائية الثابتة في
شريعة الإسلام لهذا العمل الشنيع الحرام من الرجم و الجلد ترفع عنكم بعد الإسلام و
لا تقام عليكم حدّ الزاني بعد ما أسلمتم لأجل ما ارتكبتم من الزنا بمنكوحة الأب في
حال الكفر.
و
مثله قوله تعالى: وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ
سَلَفَ.[2]
و
تقريب الاستدلال به نفس التقريب المزبور في الآية السابقة.
و
هي كسابقتها دلّت بقوله: إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ
على رفع الآثار الظاهرية من حدّ الزنا و الحكم بكون المتولّد منهما ولد الزنا. و
أمّا نفس عقد النكاح فلا إشكال في بطلانه بضرورة الدين.
و
منها قوله: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما
سَلَفَ.[3]
فسّر
مجيء الموعظة بقبول الإسلام. و هذه الآية نازلة في من أكل الربا في عهد الجاهلية
ثمّ أسلم. و قد دلّت على نفي ضمان ما أخذه من الربا في حال الكفر بعد إسلامه.
هذه
الآيات تفيد مضمون هذه القاعدة، و إن لا تتضمّن لفظها. فيمكن الاستدلال بها لإثبات
حجّية هذه القاعدة. بعد إلقاء الخصوصية عن مواردها كما هو ظاهر أو بالفحوى القطعي
لورودها في أشنع الأعمال و أعظم الذنوب و لكن في إلقاء الخصوصية و الفحوى إشكال.