و في
المحكيّ عن أبي الفرج الأصبهاني، و أيضا في المحكيّ عن سيرة ابن هشام- في حكاية
إسلام مغيرة بن شعبة-: «أنّه و فد مع جماعة من بني مالك على مقوقس ملك مصر، فلمّا
رجعوا قتلهم المغيرة في الطريق و فرّ إلى المدينة مسلما، و عرض خمس أموالهم على
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلم يقبله، و قال صلّى اللّه عليه و آله: لا خير في
غدر. فخاف المغيرة على نفسه، و صار يحتمل ما قرب و ما بعد. فقال صلّى اللّه عليه و
آله:
و
في السيرة الحلبية: «إنّ عثمان لمّا شفّع في أخيه ابن أبي سرح قال صلّى اللّه عليه
و آله:
«أما
بايعته و آمنته؟ قال: بلى، و لكن يذكر ما جرى منه معك من القبيح و يستحيي، قال
صلّى اللّه عليه و آله: الإسلام يجبّ ما قبله».[2]
و
أيضا ذكر قضية خوف هبار بن أسود ممّا فعله في الجاهلية و إزالة النبيّ صلّى اللّه
عليه و آله خوفه بعد إسلامه بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «الإسلام يجبّ ما قبله».[3]
فيفهم
من هذه الروايات و نظائرها أنّ الغرض الأصلي من تشريع هذه القاعدة إعطاء الأمن
لمريد التشرّف بالإسلام و إزالة الخوف عنه لأجل ما صدر منه- من الخطايا و القبائح-
قبل تشرّفه بالإسلام. فهذه القاعدة من جانب تنادي أنّ الإسلام دين العفو و الرحمة
و السهولة، و من جانب آخر ترغّب غير المسلمين إلى قبوله الإسلام و توجد فيهم الرغبة
و الميل إلى الحقّ و الفلاح.
و
لو لا هذه القاعدة لتنفّر الطباع عن قبول الإسلام؛ لوضوح أنه لو كان كلّ إنسان إذا
أسلم أخذ منه زكاة أمواله و خمس أرباحه الحاصلة في طول عمره و ألزم بقضاء جميع
صلواته و صيامه الفائتة و أخذ بالحدود و الديات و القصاص، لاستولي عليه خوف و وحشة
شديدة مانعة عن الرغبة إلى الإسلام و موجبة لفراره عن هذا الدين.
[1] الأغاني: ج 16، ص 82/ السيرة النبويّة: ج 3، ص 328.