و
ثالثا: لما دلّ من نصوص التقية عموما ممّا سبق ذكره في البحث عن حكم التقية
الاضطرارية، و ما دلّ منها بالخصوص على إجزاء الصلاة المأتيّ بها عن تقية إذا كان
في حالة الخوف من الضرر، كصحيحي إسحاق و أبي بصير و موثّقتي عمّار، و غيرها ممّا
سبق ذكره في الطائفة السابعة.
و
قد سبق في تحرير آراء الفقهاء ذهاب جماعة منهم إلى هذا التفصيل.
و
ممّن وافقنا في هذا التفصيل الشيخ الأعظم. و قد استشهد لذلك بنصوص لا إشكال في
دلالة بعضها على المطلوب[1]. و قد سبق
نصّ كلامه في أوائل هذا
[1] حيث قال:« نعم في بعض الأخبار ما يدلّ على اعتبار
عدم المندوحة في ذلك الجزء من الوقت، و عدم التمكّن من دفع موضوع التقية، مثل:
رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر،
عن إبراهيم بن شيبة قال:« كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام أسأله عن الصلاة
خلف من يتولّى أمير المؤمنين و هو يرى المسح على الخفّين، أو خلف من يحرّم المسح
على الخفّين و هو يمسح، فكتب عليه السّلام: إن جامعك و إيّاهم موضع لا تجد بدّا من
الصلاة معهم، فأذّن لنفسك و أقم، فإن سبقك إلى القراءة فسبّح.
فإنّ ظاهرها اعتبار تعذّر ترك
الصلاة معهم.
و نحوها ما عن الفقه الرضوي من
المرسل، عن العالم عليه السّلام قال: و لا تصلّ خلف أحد إلّا خلف رجلين: أحدهما من
تثق به و بدينه و ورعه، و آخر من تتقي سيفه و سوطه و شرّه و بوائقه و شيعته، فصل
خلفه على سبيل التقية و المداراة، و أذّن لنفسك و أقم و اقرأ فيها، فإنه غير مؤتمن
به ... الخ.
و في رواية معمّر بن يحيى-
الواردة في تخليص الأموال من أيدي العشّار-: إنّه كلّما خاف المؤمن على نفسه فيه
ضرورة فله فيه التقية.
و عن دعائم الإسلام، عن أبي جعفر
الثاني عليه السّلام: لا تصلّوا خلف ناصب و لا كرامة، إلّا أن تخافوا على أنفسكم
أن تشهروا و يشار إليكم، فصلّوا في بيوتكم ثم صلّوا معهم، و اجعلوا صلاتكم معهم
تطوّعا.
و يؤيّده العمومات الدالّة على
أنّ التقية في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم، فإن ظاهرها حصر التقية في حال
الاضطرار، و لا يصدق الاضطرار مع التمكّن من تبديل موضوع التقية بالذهاب إلى موضع
الأمن، مع التمكّن و عدم الحرج. نعم، لو لزم من التزام حرج أو ضيق من تفقّد
المخالفين، و ظهور حالة في مخالفتهم سرّا، فهذا- أيضا- داخل في الاضطرار.
و بالجملة: فمراعاة عدم المندوحة
في الجزء من الزمان الّذي يوقع فيه الفعل أقوى، مع أنّه أحوط.
نعم، تأخير الفعل عن أوّل وقته
لتحقيق الأمن و ارتفاع الخوف ممّا لا دليل عليه، بل الأخبار بين ظاهر و صريح في
خلافه، كما تقدّم» رسالة التقية: ص 26- 27.