أما أولا فلأن المسائل المنسد فيها باب
العلم في غاية الكثرة ولا تكاد تحصى فالاحتياط فيها يكون بحسنها ولا يمكن تعلق
القدرة عادة بمثل ذلك فيكون التكليف به تكليفا بما لا يطاق وقد أشار إلى ذلك الشيخ
الحرفي الوسائل[1].
وأما ثانيا: فلما أشار إليه جماعة منهم جمال المحققين[2] قال إذا كان الاحتياط بتحصيل العلم
ببراءة الذمة في كثير من الأحكام لكن لا يمكن العمل ببعضها كما يكون مرددا بين
الوجوب والحرمة وكصلاة الجمعة مثلا على تقدير القول بوجوبها علينا. وفهم مولانا
الأغا[3] قال
إلتزام الإتيان بجميع المحتملات في جميع الأحكام يؤدي إلى الحرج بل ربما لا يمكن
لتحقيق العصيان من جهة أخرى.
إذ لا يمكن الجمع مثل أن المال أما لزيد أو لعمرو وهكذا الزوجة
وأمثال ذلك انتهى.
لا يقال أن هذا الفرض نادر فلا يلتفت إليه.
لأنا نقول: أن الندرة هنا غير قادحة إذ المفروض لزوم الإتيان
بالاحتياط في جميع المسائل، فإذا فرض عدم التمكن منه في بعض الفروض ولو كان نادراً
وابطل الحكم على أنه قد يدعى أغلبيته هذا إذ ما من فعل من الأفعال عدا القطعيات
إلا ويحتمل أن يكون واجبا ويكون حراما ويكون مصححا للعبادة أو المعاملة أو مفسدا
لهما ابتداء.
ثم بعد الاجتهاد قد يحصل العلم ببطلان أحد هذين الاحتمالين وهو قليل
وقد لا يحصل وهو الغالب نعم قد يحصل الظن بذلك ولكن لا يمكن معه من تحصيل البراءة
اليقينية كما لا يتمكن من تحصيله فيما إذا تساوى الاحتمالان.
نعم إذا حصل الظن بذلك ودار الأمر بين الاحتمال الأخر الذي لم يحصل
الظن ببطلانه واحتمال غير ما ذكر كان الأولى مراعاة الاحتمال الأول.