فصلى الشيخ المغرب بالناس، ثم التفتَ إلى
الصفوف فرأى قريبا منه ملا علي النوري[1]
فقال له: قم فصلِ بنا العشاء، فامتنع الأخوند، وأصر على الاباء، فأخذ الشيخ بكفّه،
فقال له الأخوند: أقسمت عليك بالمرتضى (عليه السلام) ألّا كففت عنّي لأن شرائط
الإمامة غير مجتمعة فيَّ، فقال: أما يقبح بالرجل أن يبلغ هذا القدر من العمر ولم
يك صالحاً، لأن يكون إماما، ثم أمر حجة الأسلام[2]
فصلى بالناس، وصلى الشيخ خلفه كذا في كتاب (قصص العلماء). وهذا وإنْ كان غاية في
التواضع وحسن الأخلاق إلَّا أنَّ الأعجب منه ما ذكره في ذلك الكتاب من أنّ الشيخ
وصل إليه حق ففرّقه بين الصلاتين على المستحقين، فلمّا نفذ أتى إليه سيد فقير رث
الثياب الحماقة تلوح على شمائله، فقال للشيخ: أعطني حق جدي، فقال الشيخ: قد نفذ
ولم يبقَ شيء فَلمَ لَمْ تجيء أوّلًا حتى تأخذ نصيبك منه، فجمع السيد ماء فمه
وبصق على كريمة الشيخ المباركة، ورمته الناس بأبصارهم شزراً وأرادوا أن يقطّعوه
بأضراسهم وجعلوا ينتظرون صنع الشيخ فيه، فقال الشيخ له: اجلس يا سيدي مكانك وأنا
أتيك الآن بما تريد، فأخذ الشيخ طرفي ثوبه بيده وجعل يدور
بنفسه بين الصفوف وهو قابض بيده الأخرى على كريمته قائلًا: من كانت
لحية شيخه عزيزة عليه فليمد لإعانة هذا السيد المبارك يديه، فتعجّب الحاضرون، وما
كان إلّا يسير حتى امتلأ رداء الشيخ بالدراهم والدنانير فجاء بها إلى السيد، وقال
له: نرجوك العفو يا سيدنا والشفاعة عند جدّك، ولم يزل يعتذر إليه، ويتضرّع بين
يديه، حتى قال السيد: عفوت عنك، وأخذ المال ومضى ورجع الشيخ إلى صلاته. وأنا بعد
هذه لا