ولو أقسمت أنّ الجمادات كانت تخشع لصوته
بكلّ آية لما جزت الحق موضع قدم، ثم إذا أكمل صلاته سنّة وفرضاً جلس للتعقيب ريثما
تطلع الشمس وتنتشر في الجو، وحينئذ تأتي الطلبة أفواجاً أفواجا، وجماعة جماعة، من
مبتدئ محصّل وعالم إلى غايتها متوصل، وآخر بينهما مراهق، حتى إذا استكمل جمعهم،
واجتمع جمعهم، رقى منبر التدريس ونثر عليهم لئالىء ألفاظٍ تحتها من خزائن علم
الله كل معنى نفيس.
وَمَا
خُلِقَتْ إِلّا لِجُودٍ أكُفُّهمُ
وأَرْجُلُهم
إلّا لأعْوَادِ مِنْبَرِ
حتى إذا أكمل واستوفى خرج وصحبه حافّون به
كأنّهُم
نُجومٌ حَوْل بَدرٍ
تكمَّلَ
في الإنارَةِ واسْتَدَارا
قاصداً زيارة مولاه، حتى إذا تشرف بأعتابه أطال العكوف على مثواه،
وقبل الظهر بقليل بادر إلى المسجد الهندي، وهو جامع البلد فصلّى جماعةً، ثم أتى
داره للغداء حتى إذا فرغ راجع بعض ما ينبغي مراجعته من الكتب والأقوال، وانتهز من
النوم قليلًا كلوث خمار أو كحلّ عقال، حتى إذا صار العصر تقدم بأولاده خارجاً إلى
فضاء كان أمام المسجد الهندي يسمى الآن بالطمّة، ولم يكن فيه تعمير كاليوم، ثم إذا
جلس حفّت به قومه وأولاده، كبدر هُدى حفّتْ به الأنْجُمُ الزّهْرُ، أتت الوفود
والزائرون من كل فج وهم بين مقبّل يديه، وآخر واقع على قدميه.
لَوْ
لا نَدى كفّهِ قُلْتُ لِكَثْرَةِ ما
يُقَبِّلُ
الناسُ منْها إنّها الحَجَرُ
وكانت تسمى تلك البقعة بدكة القضاء، لأنّ الشيخ كان إذا جلس فيها
عصراً أتى كل متداعيين فيقضى فيهما وهو جالس هناك، حتى إذا جاءت الفحمة من المغرب
دخل المسجد المذكور للصلاة. هذا ديدنه عامة أيامه.
وكان الشيخ حسين نجف يصلي في داره، وقيل في الحرم الشريف،