يرد به نقل من الشرع بل العقلاء كافة على أن للأفعال في حد
ذاتها مع قطع النظر عن الشرع صفة حسن تقتضي استحقاق فاعلها المدح والثواب أو صفة
قبح تقتضي استحقاق فاعلها الذم والعقاب، ولم يخالف في ذلك إلّا السوفسطائية
والأشاعرة. أما السوفسطائية فإنما أنكروا ذلك بناء على قواعدهم الفاسدة من تكذيب
الحس والوجدان، فإنهم إذا قيل لهم هذا أسود قالوا لعله أبيض وقد كذب بصرك، وإذا
قيل لهم أنا متألم قالوا لعلك فرح وقد كذب وجدانك، ولعل ذلك منهم لقطع ألسنة أهل
الأديان وسد طرق الاحتجاج. وأما الأشاعرة فسبب إنكارهم أن الشيخ الأشعري كان
تلميذاً لأبي علي الجبائي المعتزلي فجرى نزاع بينه وبين أستاذه المذكور فانحرف عنه
وجعل يبذل الجهد في إبطال مذهب الاعتزال ولما كانت أغلب المسائل التي خالف بها
المعتزلة تبتني على مسألة التحسين والتقبيح العقليين بمسألة قبح التكليف بما لا
يطاق، وكمسألة تعليل أفعاله تعالى بالأغراض، لذا أنكر هو واتباعه كون الحسن والقبح
عقليين. ثم إذا ثبت المعنى المتنازع فيه ولو في مورد واحد كما ذكرناه في العدل
والظلم كفى في إثبات مطلوبنا لعدم القائل بالفصل أو لأن المدعى هو الإيجاب الجزئي
في مقابل السلب الكلي. ويمكن تقرير هذا الدليل بأن يقال: إن مدرك الحسن والقبح لو
كان هو الشرع لما تحققا بدونه لكون الشرع إذ ذاك أما علة أو شرط لتحققها، ويستحيل
إنفكاك المعلول أو المشروط عن علته وشرطه، فعلى تقدير شرعيتهما لا يوجدان إلّا
بالشرع، وبيان بطلان اللازم أن من لا يعتقد بالشرع يجزمون بحسن الصدق وقبح الكذب
وحسن شكر المنعم وقبح الكفر بالنعمة ويذمونه.