الارادة بأمر متأخّر، فإن كانت له مقدّمات
خارجية، كانت محرّكاً نحو الاتيان بها، وإن لم تكن له مقدّمات كذلك غير عمود
الزمان، فالارادة بكامل مرتبتها موجودة ولكن قابلية المحل غير متحقّقة إلّا بمرور
الزمان، فإذن انفكاك الارادة عن المراد والشوق المؤكّد عن المشتاق إليه خارجاً أمر
مطابق للوجدان وغير قابل للانكار.
وللنظر
في هذا الجواب مجال، أمّا أولا فلأنّه يظهر من هذا الجواب أنّ الارادة إذا بلغت
مرتبتها العالية فهي علّة تامّة لتحريك العضلات نحو المراد شريطة توفّر جميع
شروطها منها قابلية القابل.
وقد
تقدّم في ضمن البحوث السالفة أنّ الارادة مهما بلغت من المرتبة والدرجة لا يمكن أن
تكون علّة تامّة لايجاد المراد في الخارج، فإنّ الفعل الاختياري مسبوق بسلطنة
الإنسان التي هي وراء الارادة ومستند إليها لا إلى الارادة فيصدر منه بسلطنته
وإختياره، كانت هناك ارادة في نفسه أم لا على تفصيل تقدّم.
وثانياً
أنّ إمكان إنفكاك الارادة عن المراد لا يدلّ على إمكان انفكاك الوجوب عن الواجب
بتمام مراحله من المبدأ إلى المنتهى، أمّا إمكان انفكاك الارادة عن المراد، فإنّما
هو بملاك أنّ الارادة بمعنى الشوق المؤكّد من الصفات النفسانية التعلّقية، فقد
تتعلّق بأمر متأخّر زمناً كما أنّها تتعلّق بأمر مقارن كذلك، وأمّا انفكاك الوجوب
عن الواجب زمناً بتمام مراتبه لا يمكن، لأنّ حقيقة الوجوب وروحه هي اتّصاف الفعل
بالملاك في مرحلة المباديء وهو أمر تكويني فلا يمكن أن يكون مشروطاً بشرط متأخّر
كطلوع الفجر مثلا، ولكن الوجوب بما له من الملاك يكون فعلياً ومطلقاً لاستلزامه
التكليف بغير المقدور، وقد تقدّم تفصيله، هذا كلّه فيما إذا كان المراد من الارادة
الشوق