أبي يوسف يرجع على الجاني بقدر ما احتاج
إليه من ثمن الدواء و اجرة الأطباء حتى اندملت. و أبو حنيفة قال: لا يجب شيء؛
لأنّه لا قيمة لمجرّد الألم، أ لا ترى أنّ من ضرب ضربة تألم بها و لم يؤثر فيه
شيئاً لا يجب شيء! أ رأيت لو شتمه شتيمة أ كان عليه أرش باعتبار إيلام حلّ فيه؟!»
([1]).
و جاء أيضاً في كتاب (شرح كتاب النيل و شفاء العليل) من فقه
الأباضية: «و لا يلزم أجر الدواء عندنا و عند ابن القاسم من أصحاب مالك، و قال
الفقهاء السبعة من قومنا: يلزمه ذلك» ([2]).
فالحاصل: يظهر من مراجعة كلمات الفقهاء و اقتصارهم على ذكر الدية و
الاروش المقرّرة في كل جرح و جناية مقدّرة و الرجوع إلى الحكومة في غيرها أنّ
المركوز عندهم أيضاً ملاحظة قيمة الجرح أو النقص الحاصل في البدن، و ضمان الجاني
له على حدّ ضمان نقص المال المعيب بفعل الغير، و أنّ هذا تمام ما يضمنه في قبال
وصف الصحة و العيب، فلا يكون أخذ نفقة العلاج زائداً على ذلك إلّا كأخذ نفقة إصلاح
المال المعيب زائداً على أرش العيب.
و يمكن الإجابة عن كلا التقريبين:
أما التقريب الأول: فبأنّ سكوت الروايات عن
ذكر ضمان نفقة العلاج يمكن أن يكون لضآلتها في تلك الأزمنة، بحيث لم يكن العلاج
مستلزماً لنفقات مهمة معتدّ بها عرفاً، بل كانت تعد جزءاً من المصارف و النفقات
اليومية الاعتيادية الثابتة للإنسان على كل حال.
و يمكن أن يكون وجه السكوت عن نفقة العلاج أنّ نظر الروايات جميعاً
إلى التعويض عن نفس العيب أو النقص أو الجرح الحاصل في البدن بالجناية، لا ما قد