و عندئذٍ يمكن أن يدّعى دلالة ذلك على
نفي ضمان نفقة العلاج بأحد تقريبين:
التقريب الأول- استفادة ذلك من السكوت نفسه
و عدم البيان؛ إذ لو كان يجب على الجاني شيء آخر غير الدية كان ينبغي ذكره و
الإشارة إليه و لو في بعض الروايات؛ لظهورها في بيان تمام ما يجب عليه بالجناية،
خصوصاً الروايات المتعرّضة للمصالحة بين الجاني و المجني عليه على حق القصاص، حيث
لم تذكر في قبال أن لا يقتصّ منه إلّا أخذ الدية. و كذلك روايات استرقاق العبد
الجاني إذا كانت دية جنايته مستوعبة لقيمته، حيث لم تدخل في الحساب نفقة العلاج، و
التي قد تكون مع الدية مستوعبة لقيمة العبد. و كذلك الروايات المتعرّضة إلى
الجناية التي لا يدرى أثرها، فينظر بها سنة مثلًا أو أقل أو أكثر؛ فإن برئ الجرح
من دون أثر على البدن لم يكن فيه دية أو كان حكومة، و إن بقي له أثر و تعيّب العضو
أو زالت منفعته كان فيه الدية، فإنّ مثل هذه الجروح الطويلة العلاج تكثر- لا
محالة- نفقات معالجتها أيضاً، فلو كانت مضمونة مع الدية و يجب على الجاني دفعها
للمجني عليه كان اللازم الإشارة إليه في هذه الروايات على الأقل، فيستكشف من
السكوت و الاقتصار على ذكر الديات و الاروش نفي ثبوت شيء زائد في مواردها.
التقريب الثاني- استفادة عدم ضمان شيء زائد
على الدية- بالدلالة الإثباتية لا السكوتية- من التعبير عن الدية في الروايات
بالضمان أو الغرامة. بدعوى: أنّ المتفاهم العرفي منه كون الدية قيمة الجرح و العيب
الحاصل في بدن المجني عليه و بدلًا عن صحته و ما لحقه بالجناية من النقص و الضرر،
فعند ما تدفع له لا يبقى له مزيد حق في قبال صحته و سلامته؛ لأنّه قد استلم
قيمتها، نظير ما هو ثابت في ضمان الأموال، فإذا عيّب داره مثلًا أو دابته ضمن
الأرش؛ أي قيمة النقص و التفاوت بين صحيحه و معيبه، و لا يضمن زائداً على ذلك ما
قد يصرفه المالك