و يمكن الملاحظة على هذا البيان بأنَّ الاستصناع ليس إلّا بمعنى طلب
الصنع، و هو مفهوم تكويني لا إنشائي اعتباري كالبيع أو الايجار أو غيرهما من
عناوين المعاملات، فلا معنى لأن يكون الاستصناع بمفهومه و معناه اللغوي هو المنشأ
المعاملي في هذا العقد المستقل، بل لا بدَّ و أن يرجع إلى إنشاء مفهوم آخر
اعتباري، و هو إمّا تمليك العين المصنوعة فيكون بيعاً، أو العمل فيكون إجارة أو
شبهها، فيرجع إلى أحد الاحتمالات الاخرى.
النحو الثاني: أن يكون المنشأ المعاملي
بينهما هو الاتّفاق على أن يهيئ الصانع ما يريده المستصنع و يعرضه عليه ليشتريه
منه في الموعد المقرر و بالقيمة المتفق عليها مسبقاً أو فيما بعد، فيكون عقد البيع
فيما بعد، أي بعد إعداد المصنوع.
و أمّا عقد الاستصناع- الواقع فعلًا- فهو اتفاق بين الصانع و
المستصنع على التزام كل منهما بعمل في قبال الآخر يكون فيه غرض و نفع له، فالصانع
يلتزم بإعداد الصنعة و عرضها على المستصنع في الوقت المتفق عليه ليشتريه منه، و
المستصنع يلتزم بشرائها منه بعد إعدادها و عرضها بالقيمة المتفق عليها بينهما
مسبقاً أو عند الشراء.
و هذا يكفي في صدق العقد، و لا يشترط أن يكون بيعاً أو تمليكاً؛ إذ
ليس العقد إلّا الالتزام و التعهّد المربوط بالتزام آخر، أو المتفق عليه بين
اثنين.
فيقال بلزوم الوفاء به تمسكاً بعموم
«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ([1])
و نحوه من أدلّة الصحة و النفوذ، و أثره وجوب الصنع على الصانع و وجوب الشراء على
المستصنع عند إتمام الصنع وجوباً تكليفياً.