و ثانياً: إنّ ظاهرهما إيقاع البيع مستقلّاً عن السلف، لا بنحو يكون أحدهما
مشروطاً بالآخر و منوطاً به في عالم الإنشاء. أمّا الاولى فلأنّه قد ورد في ذيلها
بنقل الكافي حيث علّق عليها «و في رواية اخرى لا بأس به أعطها مائة ألف و بعها
الثوب بعشرة آلاف، و اكتب عليها كتابين». فإنّ التعبير ب «اكتب عليها كتابين»
معناه أنّ هناك معاملتين إحداهما مستقلّة عن الاخرى، و ليست شرطاً فيها، لا أقلّ
من احتمال هذا المعنى الموجب للإجمال.
و أمّا الثانية، فلأنّ الظاهر منها أنّ القوم كان من قصدهم على كلّ
حال شراء نصف الدقيق، و الإمام عليه السلام علّم البائع طريقاً واقعيّاً للتوصّل
إلى ربحه من دون أن يجعل ذلك شرطاً في القرض أو البيع، كيف! و لو اريد الشرطية كان
ظاهرها عندئذٍ اشتراط الزيادة في ثمن الدقيق ضمن عقد الإقراض، و هو ربا قطعاً،
فالرواية غير ظاهرة في الاشتراط و الإناطة أصلًا. و هذا بخلاف النهي عن سلف و بيع
أو بيع و سلف؛ فإنّ ظاهره إناطة أحدهما بالآخر و اشتراطه به في مقام الإنشاء.
و أمّا القسم الثاني: فقد يتصوّر وقوع التعارض بينه و بين النهي عن
سلف و بيع بناءً على التفسير المتقدّم له، بل و مع سائر أدلّة الربا كالروايات
الدالّة على أنّ كلّ قرض جرّ شيئاً- نفعاً- فهو ربا، كما في صحيحة يعقوب بن شعيب
عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين
ديناراً و يقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين ديناراً، قال: لا يصلح إذا كان
قرضاً يَجرُّ شيئاً فلا يصلح، قال: و سألته عن رجل يأتي حريفه و خليطه فيستقرض منه
الدنانير فيقرضه و لو لا أن يخالطه و يحارفه و يصيب عليه لم يقرضه، فقال: إن كان
معروفاً بينهما فلا بأس، و إن كان إنّما يقرضه من أجل أن يصيب عليه فلا يصلح» ([1]).