فقد يستدلّ بالرواية الاولى على ضمان
الأوصاف الانتزاعية غير الحقيقية للمال حيث دلّت على ضمان خصوصية نقدية الدرهم و
رواجه للإنفاق و التعامل به و أنّ الدرهم الذي أعطاه إذا سقط عن الرواج و الإنفاق
كان له على المدين الدرهم الرائج؛ لأنّه أعطاه الرائج فتكون خصوصية الرواج و
النقدية تحت الضمان مع أنّها خصوصية إضافية انتزاعية و ليست حقيقية، كما أنّ هذا
يستلزم عادة نقصان قيمته عن الدرهم الرائج، فتدلّ الرواية على ضمان القيمة الزائدة
التي كانت للدرهم المعطى حين رواجه.
و فيه: أنّه يقال بأنّ الرواية معارضة برواية يونس الاخرى الدالّة
على أنّه ليس له إلّا الدراهم الاولى. و قد يجمع بينهما بحمل الاولى على فرض
السقوط عن الرواج و النقدية نهائياً، و الثانية على مجرّد نقصان القيمة و الوضيعة
مع بقائه نقداً رائجاً حيث لم يصرّح فيها إلّا بالوضيعة. إلّا أنّ هذا الجمع ممّا
لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنّ ظاهر التعبير في الرواية الثانية- بأنّ السلطان قد
أسقطها و أجاز غيرها- سقوط الدرهم الأوّل عن النقدية، و ما ذكر فيها من الوضيعة لا
يعني أنّه رائج كنقد، بل يعني أنّ قيمته باعتباره فضّة مسكوكة و لو كانت ساقطة عن
النقدية أقلّ من الدرهم الفعلي، هذا مضافاً إلى صراحة الرواية الثالثة- مضمرة
صفوان- في أنّه ليس للدائن حتى في فرض السقوط عن الرواج إلّا دراهمه الاولى حيث
عبّر فيها «و لا يباع بها شيء».
و التحقيق أن يقال:
أوّلًا: إنّ رواية يونس الاولى غاية ما تدلّ عليه أنّ خصوصية النقدية
و الرواج تدخل في الضمان، و هذا لا يستلزم ضمان نقصان قيمة الدرهم الرائج؛ لأنّ
النقدية و إن كانت من الأوصاف الانتزاعية إلّا أنّها من الحيثيات المهمّة التي
تجعل الفضّة المسكوكة نقداً يتعامل به كثمن في المبادلات و المعاملات بحيث يكون
النقد عنواناً مبايناً مع ما لا يكون نقداً من الأموال فتكون هذه الخصوصية من صفات
المثل