و قوله (وَ لَقَد راوَدُوهُ عَن ضَيفِهِ) إخبار منه تعالي بأن قوم لوط حاولوا ضيفه و راودوهم علي الفساد، فالمراودة المحاولة، فكأن قوم لوط طالبوه بأن يخلي بينهم و بين ضيفه لما يرونه من الفاحشة. و الضيف المنضم إلي غيره علي طلب القري، إذ كانوا أتوا لوطاً علي هذه الصفة إلي ان تبين أمرهم و انهم ملائكة اللّه أرسلهم لاهلاكهم و قوله (فَطَمَسنا أَعيُنَهُم) فالطمس محو الأثر بما يبطل معه إدراكه، طمس يطمس طمساً و طمس الكتاب تطميساً و طمست الريح الآثار إذا دفنتها بما تسفي عليها من التراب، قال كعب بن زهير:
من کل نضاخة الذفري إذا عرفت عرضتها طامس الاعلام مجهول[1]
و قال الحسن و قتادة: عميت أبصارهم. و قال الضحاك: إنهم دخلوا البيت علي لوط، فلما لم يروهم سألوا عنهم و انصرفوا.
و قوله (فَذُوقُوا عَذابِي وَ نُذُرِ) معناه قالت لهم الملائكة ذوقوا عذاب اللّه و نذره أي و ما خوفكم به من عذابه.
ثم قال تعالي (وَ لَقَد صَبَّحَهُم) يعني قوم لوط (بكرة) نصبه علي الظرف فإذا أردت بكرة يومك لم تصرفه. و إذا أردت بكرة من البكرات صرفته. و مثله غدوة و غداة. و قوله (عذاب مستقر) أي استقر بهم حتي هلكوا جميعاً. و قوله (فَذُوقُوا عَذابِي وَ نُذُرِ) قيل: قالت لهم الملائكة ذلک. و قال قوم: القائل هو اللّه تعالي قال لهم في تلك الحال يعني عند طمس أعينهم. و الائتفاك بهم و رميهم بالحجارة (فَذُوقُوا عَذابِي وَ نُذُرِ. وَ لَقَد يَسَّرنَا القُرآنَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مُدَّكِرٍ) و قد فسرناه و بينا الوجه فيه.