و قوله (كَذَّبَت قَومُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) اخبار منه تعالي أن قوم لوط كذبوا الرسل بالإنذار علي ما فسرناه. و فائدة ذكر التحذير علي ما بيناه من فعل مثله لئلا ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك، و في الكلام حذف و تقديره فأهلكناهم. ثم بين كيف أهلكهم فقال (إِنّا أَرسَلنا عَلَيهِم حاصِباً) و الحاصب الحجارة الّتي يرمي بها القوم، حصبوا بها إذا رموا، و منه الحصباء الإرض ذات الحصي، لأنه يحصب بها و قيل: الحاصب سحاب رماهم بالحجارة و حصبهم بها قال الفرزدق:
مستقبلين رياح الشام تضربنا بحاصب كنديف القطن منثور[1]
ثم استثني آل لوط، و تقديره إنا أرسلنا عليهم حاصباً أهلكناهم به (إلا آل لوط) فانا (نجيناهم) و خلصناهم من العذاب (بسحر) أي بليل لا سحراً بعينه، لان سحراً إذا أردت به سحر يومك لم تصرفه، و إذا أردت به سحراً من الاسحار صرفته.
و قوله (نِعمَةً مِن عِندِنا) قال الزجاج نصبه علي انه مفعول له، و يجوز ان يکون علي المصدر، و تقديره أنعمنا بها عليهم نعمة. ثم قال (كَذلِكَ نَجزِي مَن شَكَرَ) أي مثل ما فعلنا بهم نفعل بمن يشكر اللّه علي نعمه، و الشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم للمنعم، و نقيضه كفر النعمة، و مثله الحمد علي النعمة.
ثم اخبر تعالي عن لوط بأنه أنذر قومه بطشة اللّه و هي الأخذ بالعذاب بشدة فكذلك أخذ اللّه- عز و جل- آل لوط باشد العذاب بالائتفاك و رمي الأحجار من السماء.
و قوله (فَتَمارَوا بِالنُّذُرِ) أي تدافعوا علي وجه الجدال بالباطل، يقال: تماري القوم تمارياً و ماراه مماراة و مراء، و مراه يمريه مرياً إذا أستخرج ما عنده من العلم بالمري.