ثم أخبر تعالي فقال (وَ لَقَد أَوحَينا إِلي مُوسي أَن أَسرِ بِعِبادِي) أي سر بهم ليلا لأن الاسراء السير بالليل (فَاضرِب لَهُم طَرِيقاً فِي البَحرِ يَبَساً) و المعني: اضرب بعصاك البحر تجعل طريقاً، فكأنه قيل: اجعل طريقاً بالضرب بالعصا، فعداه الي الطريق لما دخله هذا المعني فكأنه قد ضرب الطريق، كضربه الدينار.
و اليبس اليابس و جمعه ايباس، و جمع اليبس- بسكون الباء- يبوس. و قال ابو عبيدة: اليبس- بفتح الباء- المكان الجاف. و إذا کان اليبس في نبات الإرض فهو اليبس- بسكون الباء- قال علقمة بن عبده:
تخشخش أبدان الحديد عليهم کما خشخشت يبس الحصاد جنوب
و قوله (لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخشي) معناه لا تخف أن يدركك فرعون، و لا تخش الغرق من البحر- في قول إبن عباس و قتادة- و قيل: معناه لا تخف لحوقاً من عدوك، و لا تخش الغرق من البحر ألذي انفرج عنك. و المعنيان متقاربان. و کان سبب ذلک أن اصحاب موسي قالوا له: هذا فرعون قد لحقنا، و هذا البحر قد غشينا يعنون اليم، فقال اللّه تعالي «لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخشي».
ثم اخبر تعالي فقال (فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ بِجُنُودِهِ) أي دخل خلف موسي و بني إسرائيل، و في الكلام حذف لأن تقديره: فدخل موسي و قومه البحر ثم أتبعهم فرعون بجنوده و من اتبعهم. فمن قطع الهمزة جعل الباء زائدة. و من وصلها أراد: تبعهم و سار في أثرهم، و الباء للتعدية.
و قوله (فَغَشِيَهُم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُم) يعني ألذي غشيهم. و قيل: معناه تعظيم للأمر لأن (غشيهم) قد دل علي (ما غشيهم) و إنما ذكره تعظيماً. و قيل: ذكره تأكيداً. و قال قوم: معناه فغشيهم ألذي عرفتموه. کما قال ابو النجم:
(ج 7 م 25 من التبيان)