و قيل في معني الحنيف قولان: أحدهما- الاستقامة. و قيل للمائل القدم أحنف تفاؤلا. و الثاني- الميل، و قيل الحنف في الدين لأنه ميل الي الحق.
و قوله «وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ المُشرِكِينَ» معناه نهي عن الاشراك مع اللّه تعالي غيره في العبادة تصريحاً بالتحذير عن ذلک و الذم لفاعله.
وَ لا تَدعُ مِن دُونِ اللّهِ ما لا يَنفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظّالِمِينَ (106)
قيل في معني قوله «وَ لا تَدعُ مِن دُونِ اللّهِ» قولان: أحدهما- لا تدعه إلهاً کما يدعو المشركون الوثن إلهاً. الثاني- لا تدعه دعاء الآلهة في العبادة بدعائه. و الدعاء يکون علي وجهين: أحدهما- بلفظ النداء كقولك: يا زيد إذا دعوته باسمه. و الثاني- أن تدعوه الي الفعل و تطلب منه فعله كقول القائل لمن فوقه: افعل. و قوله «وَ لا تَدعُ مِن دُونِ اللّهِ» معناه لا تدع غير اللّه إلهاً. و انما قال «ما لا يَنفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ» مع أنه لو نفع و ضر لم تحسن عبادته لامرين:
أحدهما- أن يکون معناه ما لا ينفك و لا يضرك نفع الاله و ضره.
و الثاني- انه إذا کان عبادة غير اللّه ممن يضر و ينفع قبيحة فعبادة من لا يضر و لا ينفع أقبح و أبعد من الشبهة. و قوله «فَإِن فَعَلتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظّالِمِينَ» معناه انك إن خالفت ما أمرت به من عبادة اللّه كنت ظالماً لنفسك بإدخال الضرر ألذي هو العقاب عليها. و هذا الخطاب و إن کان متوجهاً الي النبي فالمراد به أمته، و يجوز أن يکون الإنسان يضر نفسه بما يفعل بأن يؤديها الي الضرر. و لا يجوز أن ينعم علي نفسه لان النعمة تقتضي شكر المنعم عليه و ذلک لا يمكن من الإنسان و نفسه کما لا يمكن أن يثبت له في نفسه مال أو دين.