إِنَّ الَّذِينَ حَقَّت عَلَيهِم كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ (96) وَ لَو جاءَتهُم كُلُّ آيَةٍ حَتّي يَرَوُا العَذابَ الأَلِيمَ (97)
آيتان عند الجميع قد ذكرنا اختلافهم في (كلمة و كلمات) و إن من وحد فلأنه اسم جنس. و من جمع أراد اختلاف الألفاظ. اخبر اللّه تعالي «إِنَّ الَّذِينَ حَقَّت عَلَيهِم كَلِمَتُ رَبِّكَ» يا محمّد اي وجب علي التحقيق بأنهم لا يؤمنون من غير شرط و لا تقييد، تقول: حق الامر يحق حقاً. و انما جاز وصف جملة من الكلام بالكلمة لأنه لما کان في معني واحد صار بمنزلة الكلمة الواحدة، و لذلك قالوا في قصيدة من الشعر انها كلمة. و قوله «حَتّي يَرَوُا العَذابَ الأَلِيمَ» معناه انهم انما يؤمنون إذا شاهدوا العذاب فآمنوا ملجئين ايماناً لا ينفعهم. و الرؤية في الآية رؤية العين، لأنها تعدت الي مفعول واحد.
و العذاب و ان کان ألماً و هو لا يصح ان يري فلأنه تري أسبابه و مقدماته فصار بمنزلة ما يري، فلذلك اخبر عنه بالرؤية له.
و قوله «وَ لَو جاءَتهُم كُلُّ آيَةٍ» اعلام بأن هؤلاء الكفار لا لطف لهم يؤمنون عنده ايمان اختيار و انما جاز تكليفه الايمان باخبار اللّه تعالي انه لا يؤمن للانعام بالمنافع في احوال التكليف الّتي لا تحصي كثرة مع ما في ذلک من اللطف لغيره.
و لا ظلم فيه لاحد. و انما يظلم الكافر نفسه بسوء اختياره. و انما أنث قوله «جاءَتهُم كُلُّ آيَةٍ» لأنه مضاف الي الآية و هي مؤنثة کما قالوا: ذهبت بعض أصابعه. و معني الآية الاخبار عن ان هؤلاء لا يؤمنون ايماناً يستحقون به الثواب، و لا ينافي ذلک قدرتهم علي الايمان کما انه إذا اخبر انه لا يقيم القيامة الساعة لم يمنع ذلک من قدرته علي إقامتها في الحال. و قيل ان التقدير في الاية ان الّذين لا يؤمنون حقت عليهم كلمة ربك.