‌قوله‌ ‌تعالي‌: [‌سورة‌ التوبة (9): آية 111]

إِن‌َّ اللّه‌َ اشتَري‌ مِن‌َ المُؤمِنِين‌َ أَنفُسَهُم‌ وَ أَموالَهُم‌ بِأَن‌َّ لَهُم‌ُ الجَنَّةَ يُقاتِلُون‌َ فِي‌ سَبِيل‌ِ اللّه‌ِ فَيَقتُلُون‌َ وَ يُقتَلُون‌َ وَعداً عَلَيه‌ِ حَقًّا فِي‌ التَّوراةِ وَ الإِنجِيل‌ِ وَ القُرآن‌ِ وَ مَن‌ أَوفي‌ بِعَهدِه‌ِ مِن‌َ اللّه‌ِ فَاستَبشِرُوا بِبَيعِكُم‌ُ الَّذِي‌ بايَعتُم‌ بِه‌ِ وَ ذلِك‌َ هُوَ الفَوزُ العَظِيم‌ُ (111)

قرأ حمزة و الكسائي‌ «فيقتلون‌ و يقتلون‌» ‌علي‌ مفعول‌ و فاعل‌. الباقون‌ ‌علي‌ فاعل‌ و مفعول‌. ‌من‌ قدم‌ الفعل‌ المسند ‌الي‌ الفاعل‌، فلأنهم‌ يقتلون‌ أولا ‌في‌ سبيل‌ اللّه‌ و يقتلون‌، و ‌لا‌ يقتلون‌ ‌إذا‌ قتلوا. و ‌من‌ قدّم‌ الفعل‌ المسند ‌الي‌ المفعول‌ جاز ‌أن‌ ‌يکون‌ أراد ‌ذلک‌ المعني‌ ايضاً لأن‌ المعطوف‌ بالواو يجوز ‌أن‌ يراد ‌به‌ التقديم‌ و ‌ان‌ ‌لم‌ يقدّر ‌ذلک‌ كأن‌ المعني‌ يقتل‌ بعضهم‌ و يقتل‌ ‌من‌ بقي‌ منهم‌ ‌بعد‌ قتل‌ ‌من‌ قتل‌ منهم‌، ‌کما‌ ‌أن‌ ‌قوله‌ «فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُم‌ فِي‌ سَبِيل‌ِ اللّه‌ِ»[1] و معناه‌ ‌ما وهن‌ ‌من‌ بقي‌ منهم‌ لقتل‌ ‌من‌ قتل‌ ‌من‌ المؤمنين‌. و حقيقة الاشتراء ‌لا‌ يجوز ‌علي‌ اللّه‌ ‌تعالي‌، لأن‌ المشتري‌ انما يشتري‌ ‌ما ‌لا‌ يملك‌، و اللّه‌ ‌تعالي‌ مالك‌ الأشياء كلها. و انما ‌هو‌ كقوله‌ «مَن‌ ذَا الَّذِي‌ يُقرِض‌ُ اللّه‌َ قَرضاً حَسَناً»[2] ‌في‌ ‌أنه‌ اجري‌ بحسن‌ المعاملة و التلفظ ‌في‌ الدعاء ‌الي‌ الطاعة مجري‌ ‌ما ‌لا‌ يملكه‌ المعامل‌ ‌فيه‌، و ‌لما‌ ‌کان‌ اللّه‌ ‌تعالي‌ رغب‌ ‌في‌ الجهاد و قتال‌ الأعداء و ضمن‌ ‌علي‌ ‌ذلک‌ الثواب‌ عبر ‌عن‌ ‌ذلک‌ بالاشتراء، فجعل‌ الثواب‌ ثمناً و الطاعات‌ مثمناً ‌علي‌ ضرب‌ ‌من‌ المجاز، و ‌کما‌ ‌أن‌ ‌في‌ مقابلة الطاعة الثواب‌ فكذلك‌ ‌في‌ مقابلة الألم‌ العوض‌ ‌غير‌ ‌أن‌ الثواب‌ مقترن‌ بالإجلال‌ و الإكرام‌، و العوض‌ خال‌ منهما، و المثاب‌ محسن‌ مستحق‌ ‌علي‌ إحسانه‌ المدح‌ و ليس‌ كذلك‌ المعوض‌.