لرسول فيما يقوله: من أنه جاء به من عند اللّه من أمر و نهي، و غير ذلک، فالعهد:
العقد ألذي يتقدم به للتوثق، و هو كالوصية. و قوله: «حَتّي يَأتِيَنا بِقُربانٍ تَأكُلُهُ النّارُ» معناه حتي يجيئنا بما يقرب به العبد إلي اللّه من صدقة و بر. و قربان مصدر علي وزن عدوان، و خسران تقول قربت قرباناً. و أما قوله: «تَأكُلُهُ النّارُ» فلأن أكل النار ما قربه أحدهم للّه في ذلک الزمان کان دليلا علي قبول اللّه له، و دلالة علي صدق المقرب فيما أدعي أنه حق فيما نوزع فيه- في قول إبن عباس، و الضحاك-، فقال اللّه تعالي لنبيه (ص) قل لهم يا معشر من يزعم أن اللّه عهد إليه ألا يؤمن لرسول حتي يأتيه بقربان تأكله النار، قل: قد جاءكم رسل من اللّه من قبل. المعني جاء أسلافكم بالبينات يعني بالحجج الدالة علي صدق نبوتهم، و حقيقة قولهم: و قد ادعيتم أنه يدل علي تصديق من أتي به و الإقرار بنبوته من أكل النار قربانه، فلم قتلتموه إن كنتم صادقين! يعني قتلتموهم و أنتم مقرون بأن الّذين جاءوكم به من ذلک حجة لهم عليكم إن كنتم صادقين فيما عهد إليكم مما ادعيتموه و أضاف القتل إليهم و إن کان أسلافهم تولوه لأنهم رضوا بأفعالهم فنسب ذلک إليهم کما بيناه فيما تقدم في قوله تعالي: «وَ يَقتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيرِ الحَقِّ»[1] فأراد اللّه أن يعلم المؤمنين ان هؤلاء معاندون متعنتون، و إلا فهم عالمون بصفات النبي (ص) و ما ذكره اللّه تعالي في التوراة و انه صادق فيما يدعيه، و إنما لم ينزل اللّه ما طلبوه لأن المعجزات تابعة للمصالح و ليست علي الاقتراحات و التعنت. فان قيل هلا قطع اللّه عذرهم بالذي سألوا من القربان ألذي تأكله النار! قيل: له لا يجب ذلک لأن ذلک اقتراح في الأدلة علي اللّه و ألذي يلزم من ذلک أن يزيح علتهم بنصب الادلة علي ما دعاهم إلي معرفته.
فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَد كُذِّبَ رُسُلٌ مِن قَبلِكَ جاؤُ بِالبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ الكِتابِ المُنِيرِ (184)