من معصيته الّتي يستحق بها خذلانه مع إيجاب التوكل عليه ألذي يؤمن معه أن يكلهم إلي أنفسهم فيهلكوا، و لأنه إذا نصرهم اللّه فلا أحد يقدر علي مغالبته، و إذا خذلهم فلا أحد يقدر علي نصرتهم بعده. و (من) في قوله: «فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِن بَعدِهِ» معناها التقرير بالنفي في صورة الاستفهام أي لا ينصركم أحد من بعده، کما تقول من يعد لك إن فسقك الامام. و إنما تضمن حرف الاستفهام معني النفي، لأن جوابه يجب أن يکون بالنفي، فصار ذكره يغني عن ذكر جوابه.
و کان أبلغ لتقرير المخاطب فيه. قال أبو علي الجبائي: و في الآية دليل علي أن من غلبه أعداء اللّه من الباغين لم ينصره اللّه، لأنه لو نصره لما غلبوه، و ذلک بحسب ما في المعلوم من مصالح العباد من تعريض المؤمنين لمنازل الأبرار بالصبر علي الجهاد مع خوف القتل من حيث لم يجعل علي أمان من غلبة الفجار، و هذا إنما هو في النصر بالغلبة، فاما النصر بالحجة، فان اللّه تعالي نصر المؤمنين من حيث هداهم إلي طريق الحق بما نصب لهم من الأدلة الواضحة و البراهين النيرة، و لو لا ذلک لما حسن التكليف. قال البلخي: المؤمنون منصورون أبداً إن غلبوا، فهم المنصورون بالغلبة، و ان غلبوا، فهم المنصورون بالحجة. قال الجبائي: و النصر بالغلبة ثواب، لأنه لا يجوز أن ينصر اللّه الظالمين من حيث لا يريد استعلاءهم بالظلم علي غيرهم.
و قال إبن الأخشاد: ليس بثواب كيف تصرفت الحال، لأن اللّه قد أمرنا أن ننصر الفئة المبغي عليها. و قال البلخي لا يجوز أن ينصر اللّه الكافر علي وجه. فأما الخذلان فعقاب بلا خلاف. و الخذلان هو الامتناع من المعونة علي العدو في وقت الحاجة إليها، لأنه لو امتنع إنسان من معونة بعض الملوك علي عدوه مع استغنائه عنها لم يكن خاذلا، و كذلك سبيل المؤمن المغلوب في بعض الحروب ليس يحتاج إلي المعونة مع الاستفساد بها بدلا من الاستصلاح، فلذلك لم يكن ما وقع به علي جهة الخذلان.